والتكليف : الإلزام ، وأصله من الكلف ، وهو الأثر من السواد في الوجه ؛ قال : [البسيط]
١١٢٨ ـ يهدي بها أكلف الخدين مختبر |
|
من الجمال كثير اللحم عيثوم (١) |
فمعنى «تكلف الأمر» ، أي : اجتهد في إظهار أثره.
وفلان كلف بكذا : أي مغرى به.
و «الوسع» هنا ما يسع الإنسان فيطيق أخذه من سعة الملك أي الغرض ، ولو ضاق لعجز عنه ، فالسعة بمنزلة القدرة ، ولهذا قيل : الوسع فوق الطاقة ، والمراد منه : أن أبا الصبي لا يتكلف الإنفاق عليه ، وعلى أمه ، إلا ما تتسع له قدرته ، لأن الوسع ما تتسع له القدرة ، ولا يبلغ استغراق القدرة ؛ وهو نظير قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧].
فصل في احتجاج المعتزلة بالآية
تمسّك المعتزلة بهذه الآية في أنّ الله ـ تعالى ـ لا يكلّف العبد ما لا يقدر عليه (٢).
وقوله : «لا تضارّ» ابن كثير ، وأبو عمرو (٣) : «لا تضارّ» برفع الراء مشددة ، وتوجيهها واضح ، لأنه فعل مضارع لم يدخل عليه ناصب ولا جازم فرفع ، وهذه القراءة مناسبة لما قبلها ، من حيث إنه عطف جملة خبريّة على خبرية مثلها من حيث اللفظ وإلّا فالأولى خبرية لفظا ومعنى ، وهذه خبرية لفظا نهييّة معنى ويدل عليه قراءة الباقين كما سيأتي.
قال الكسائيّ والفراء : هو نسق على قوله : «لا يكلّف» (٤).
قال علي بن عيسى : هذا غلط ؛ لأنّ النّسق ب «لا» إنّما هو إخراج على إخراج الثّاني مما دخل فيه الأوّل نحو : «ضربت زيدا لا عمرا» فأمّا أن يقال : يقوم زيد لا يقعد عمرو ، فهو غير جائز على النّسق ، بل الصواب أنّه مرفوع على الاستئناف في النّهي كما يقال : لا تضرب زيدا لا تقتل عمرا.
وقرأ باقي السّبعة : بفتح الراء مشدّدة ، وتوجيهها أنّ «لا» ناهية ، فهي جازمة ،
__________________
(١) البيت لعلقمة بن عبدة ينظر ديوانه ص ٧٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٠٤ ، والكتاب ٤ / ٢٦٧ ، ولسان العرب (عثم) والمفضليات ٤٠٤ ، والدر المصون ١ / ٥٧١.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٠٣.
(٣) وقرأ كذلك أبان عن عاصم.
انظر : الحجة للقراء السبعة ٢ / ٣٣٣ ، وحجة القراءات ١٣٦ ، والعنوان ٧٤ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٠٠ ـ ١٠٢ ، وشرح شعلة ٢٩٠ ، وإتحاف ١ / ٤٤٠.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٠٣.