أحدهما : أن يكون خبرا عن المجموع ، والاحتمال الآخر أن يكون خبرا عنها باعتبار كلّ واحد ، كما تقول : «زيد وبكر وعمرو أفضل من خالد» ، أي : كلّ واحد منهم على انفراده أفضل من خالد. وهذا هو الظّاهر. وإنّما أفرد الخبر ؛ لأنه أفضل من تقديره : أكبر من القتال في الشّهر الحرام. وإنّما حذف لدلالة المعنى.
الثاني من الوجهين في «أكبر» : أن يكون خبرا عن الأخير ، ويكون خبر «وصدّ» و «كفر» محذوفا لدلالة خبر الثّالث عليه تقديره : وصدّ وكفر أكبر. قال أبو البقاء (١) في هذا الوجه : ويجب أن يكون المحذوف على هذا أكبر لا «كبير» كما قدّره بعضهم ؛ لأنّ ذلك يوجب أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر ، وليس كذلك. وفيما قاله أبو البقاء نظر ؛ لأنّ هذا القائل يقول : حذف خبر «وصدّ» و «كفر» لدلالة خبر «قتال» عليه ، أي : القتال في الشّهر الحرام كبير ، والصّدّ والكفر كبيران أيضا ، وإخراج أهل المسجد أكبر من القتال في الشّهر الحرام. ولا يلزم من ذلك أن يكون أكبر من مجموع ما تقدّم حتّى يلزم ما قاله من المحذور.
و «عند الله» متعلّق ب «أكبر» ، والعندية هنا مجاز لما عرف.
فصل في المراد بهذا الإخراج
والمراد بهذا الإخراج أنّهم أخرجوا المسلمين من المسجد ، بل من م) ة وإنما جعلهم أهلا له؛ لأنّهم القائمون بحقوق البيت كقوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) [الفتح : ٢٦] وقال تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) [الأنفال : ٣٤] فأخبر تعالى : أنّ المشركين خرجوا بشركهم عن أن يكونوا أولياء المسجد ثم إنه تعالى ذكر هذه الأشياء ، وحكم عليها بأنها أكبر ، أي : كلّ واحد منها أكبر من قتال في الشّهر الحرام ، وهذا تفريع على قول الزّجّاج ؛ لأن كلّ واحد من هذه الأشياء أكبر من قتال في الشهر الحرام ، فالكفر أعظم من القتل ، أو نقول : كلّ واحد من هذه الأشياء أكبر من قتال في الشّهر الحرام ، وهو القتال الّذي صدر عن عبد الله بن جحش ؛ لأنّه ما كان قاطعا بوقوع ذلك القتال في الشّهر الحرام ، وهؤلاء الكفّار قاطعون بوقوع هذه الأشياء منهم في الشّهر الحرام ؛ فيلزم أن يكون وقوع هذه الأشياء أكبر حجما.
قوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) ذكروا في الفتنة قولين :
أحدهما ـ وعليه أكثر المفسّرين (٢) ـ : أنّها الكفر ، أي : الشّرك الّذي أنتم عليه أكبر من قتل ابن الحضرميّ في الشّهر الحرام.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٢.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٣٠.