القول الثالث : المراد من الوارث الباقي من الأبوين ، كما جاء في الدعاء : «واجعله الوارث منّا» (١) أي : الباقي ، وهو قول سفيان (٢) وجماعة.
القول الرابع : المراد الصبيّ نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفّى ، فإن كان له مال ، وجب أجرة رضاعه في ماله ، وإن لم يكن له مال ، فعلى الأمّ ، ولا يجبر على نفقة الصبيّ إلّا الوالدان ، وهو قول مالك والشافعيّ.
قوله : «فإن أرادا فصالا».
في الفصال قولان :
أحدهما : أنّه الفطام ؛ لقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] وإنّما سمي الفطام بالفصال ؛ لأنّ الولد ينفصل عن الاغتذاء بثدي أمّه إلى غيره من الأقوات.
والثاني : قال أبو مسلم (٣) : ويحتمل أن يكون المراد من الفصال إيقاع المفاصلة بين الولد والأمّ ، إذا حصل التراضي والتشاور في ذلك ، ولم يرجع بسبب ذلك ضرر إلى الولد.
قال المبرّد : والفصال ، يقال : فصل الولد عن الأمّ فصلا وفصالا ، والفصال أحسن ؛ لأنّه إذا انفصل عن أمّه ، فقد انفصلت منه ، فبينهما فصال ، نحو القتال والضّراب ، وسمّي الفصيل فصيلا ؛ لأنّه مفصول عن أمّه ؛ ويقال : فصل من البلد ، إذا خرج عنها وفارقها ؛ قال تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) [البقرة : ٢٤٩] ، وحمل الفصال على الفطام هو قول أكثر المفسرين (٤).
اعلم أنّه لمّا بيّن تمام مدّة الرضاع بقوله : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) وجب حمل هذه الآية على غير ذلك ، حتى لا يلزم التّكرار ، واختلفوا في ذلك : فمنهم من قال : إنّها تدلّ على جواز الفطام قبل الحولين وبعدهما ، وهو مرويّ عن ابن عبّاس (٥).
قوله تعالى : (عَنْ تَراضٍ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه متعلّق بمحذوف ؛ إذ هو صفة ل «فصالا» فهو في محلّ نصب ، أي : فصالا كائنا عن تراض ، وقدّره الزمخشريّ : صادرا عن تراض ، وفيه نظر من حيث كونه كونا مقيّدا.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٨٤) كتاب الدعوات : باب (٦٧) حديث (٣٤٨٠) من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة به وقال الترمذي : حسن غريب سمعت محمدا يقول حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٠٥.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٠٥.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٠٥.