والثاني : أنه متعلق ب «أرادا» ، قاله أبو البقاء (١) ، ولا معنى له إلّا بتكلّف. والفصال ، والفصل : الفطام ، وأصله التفريق ، فهو تفريق بين الصبيّ والثّدي ، ومنه سمّي الفصيل ؛ لأنّه مفصول عن أمه.
و «عن» للمجاوزة مجازا ؛ لأنّ التّراضي معنّى ، لا عين.
و «تراض» مصدر تفاعل ، فعينه مضمومة ، وأصله : تفاعل تراضو ، ففعل فيه ما فعل ب «أدل» جمع دلو ، من قلب الواو ياء ، والضمة قلبها كسرة ، إذ لا يوجد في الأسماء المعربة واو قبلها ضمة لغير الجمع إلا ويفعل بها ذلك تخفيفا.
قوله تعالى : «منهما» في محلّ جرّ صفة ل «تراض» ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : تراض كائن أو صادر منهما ، و «من» لابتداء الغاية.
وقوله : «وتشاور» [حذفت «منهما» لدلالة ما قبلها عليها ، والتقدير : وتشاور منهما] ، ويحتمل أن يكون التّشاور من أحدهما ، مع غير الآخر ؛ لتتفق الآراء منهما ، ومن غيرهما على المصلحة.
قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) الفاء جواب الشّرط ، وقد تقدّم نظير هذه الجملة ، ولا بدّ قبل هذا الجواب من جملة قد حذفت ؛ ليصحّ المعنى بذلك ، تقديره : ففصلاه أو فعلا ما تراضيا عليه ، فلا جناح عليهما في الفصال ، أو في الفصل.
فصل في التشاور
التشاور في اللّغة : استخراج الرّأي ، وكذلك المشورة كالمعونة ، وشرت العسل ، إذا استخرجته.
وقال أبو زيد : شرت الدّابّة ، وشوّرتها ، أجريتها لاستخراج جريها في الموضع الذي تعرض فيه الدوابّ ، يقال له : الشّوار ، والشّوار بالفتح متاع البيت ؛ لأنّه يظهر للنّاظر ، ويقال : شوّرته فتشوّر ، أي : خجلته ، والشّارة : هيئة الرّجل ؛ لأنّه ما يظهر من زينته ويبدو منها ، والإشارة : إخراج ما في نفسك وإظهاره للمخاطب بالنّطق وغيره.
فصل في مدة الفطام
دلّت الآية على أن الفظام في أقلّ من حولين لا يجوز إلّا عند رضا الوالدين ، وعند المشاورة مع أرباب التّجارب ، وذلك لأنّ الأمّ قد تملّ من الرّضاع فتحاول الفطام ؛ والأب أيضا قد يملّ من عطاء الأجرة على الإرضاع ، فيحاول الفطام ؛ دفعا لذلك ، لكنهما قلّما يتوافقان على الإضرار بالولد ؛ لغرض النّفس ، ثم بتقدير توافقهما : اعتبر
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٨.