ومنها : أن تمرض ، أو ينقطع لبنها.
فعند أحد هذه الوجوه ، إذا وجدنا مرضعة أخرى ، وقبل الطفل لبنها ، جاز العدول عن الأمّ إلى غيرها.
فأمّا إذا لم نجد مرضعة أخرى أو وجدناها ، لكنّ الطفل لا يقبل لبنها ، فها هنا الإرضاع واجب على الأمّ.
ثم إنّه تعالى ختم الآية بالتّحذير ، فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(٢٣٤)
في «الّذين» أوجه :
أحدها : أنّها مبتدأ لا خبر له ، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهنّ به ؛ لأنّ الحديث معهنّ في الاعتداد ، فجاء الخبر عن المقصود ، إذ المعنى : من مات عنها زوجها ، تربّصت ، وإليه ذهب الكسائيّ والفراء (١) ؛ وأنشد الفراء : [الطويل]
١١٣٠ ـ لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة |
|
على ابن أبي ذبّان أن يتندّما (٢) |
فقال : «لعلّي» ثم قال : «أن يتندّم» فأخبر عن ابن أبي ذبّان ، فترك المتكلم ؛ إذ التقدير : لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الرّيح ميلة. وقال آخر : [الطويل]
١١٣١ ـ بني أسد إنّ ابن قيس وقتله |
|
بغير دم دار المذلّة حلّت (٣) |
فأخبر عن قتله بأنه دار مذلّة ، وترك الإخبار عن ابن قيس (٤).
وتحرير مذهب الكسائيّ والفرّاء : أنه إذا ذكر اسم ، وذكر اسم مضاف إليه فيه معنى الإخبار ترك عن الأول ، وأخبر عن الثاني ؛ نحو : «إنّ زيدا وأخته منطلقة» ، المعنى : إن أخت زيد منطلقة ، لكنّ الآية الكريمة والبيت الأول ليسا من هذا الضّرب ، وإنما الذي أورده شبيها بهذا الضرب. قوله : [الوافر]
١١٣٢ ـ فمن يك سائلا عنّي فإنّي |
|
وجروة لا ترود ولا تعار (٥) |
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٥١.
(٢) ينظر : معاني الفراء ١ / ١٥٠ ، الطبري ٢ / ٥٢٥ ، البحر ٢ / ٢٣٢ والدر المصون ١ / ٥٧٦.
(٣) ينظر الطبري ٥ / ٧٨ ، الصاحبي ١٨٥ ، البحر ٢ / ٢٣٢ ، الدر المصون ١ / ٥٧٦.
(٤) في الأصل : بني أسد وهو سبق قلم.
(٥) البيت لشداد العبسي ينظر الكتاب ١ / ١٥٢ ، البحر ٢ / ١٣٢ الأغاني ١٦ / ٣٢ ، الارتشاف ٢ / ٣٢ ، النقائض (٩٧) ، اللسان : جبر ، الدر المصون ١ / ٥٧٦.