وأنكر المبرد والزجاج ذلك ؛ قالا : لأن مجيء المبتدأ بدون الخبر محال ، وليس هذا موضع البحث في هذا المذهب ودلائله.
الثاني : أنّ له خبرا اختلفوا فيه على وجوه :
أحدها : أنه «يتربّصن» ، ولا بدّ من حذف يصحّح وقوع هذه الجملة خبرا عن الأول ؛ لخلوّها من الرابط ، والتقدير : وأزواج الّذين يتوفّون يتربّصن ؛ ويدلّ على هذا المحذوف قوله : (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لتلك الدلالة عليه. والتقدير : يتربّصن بعدهم ، أو بعد موتهم ، قاله الأخفش (١).
وثالثها : أنّ «يتربّصن» خبر لمبتدأ محذوف ، التقدير : أزواجهم يتربّصن ، وهذه الجملة خبر عن الأوّل ، قاله المبرّد.
ورابعها : أنّ الخبر محذوف بجملته قبل المبتدأ ، تقديره : فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفّون ، ويكون قوله «يتربّصن» جملة مبيّنة للحكم ، ومفسّرة له ، فلا موضع لها من الإعراب ، ويعزى هذا لسيبويه.
قال ابن عطيّة : وحكى المهدويّ عن سيبويه أنّ المعنى : «وفيما يتلى عليكم الذين يتوفّون» ، ولا أعرف هذا الذي حكاه ؛ لأنّ ذلك إنما يتّجه إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد المبتدأ ، نحو قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا) [المائدة : ٣٨] (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) [النور : ٢] وهذه الآية فيها معنى الأمر ، لا لفظه ، فتحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر.
وخامسها : أن بعض الجملة قام مقام شيء مضاف إلى عائد المبتدأ ، والتقدير : «والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّص أزواجهم» فحذف «أزواجهم» بجملته ، وقامت النون التي هي ضمير الأزواج مقامهنّ بقيد إضافتهنّ إلى ضمير المبتدأ.
وقال القرطبيّ : المعنى : والرّجال الّذين يموتون منكم» «ويذرون» ـ أي : يتركون ـ «أزواجا» ـ أي : ولهم زوجات ـ فالزّوجات «يتربّصن» قال معناه الزّجّاج واختاره النّحاس ، وحذف المبتدأ في القرآن كثير ، قال تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : ٧٢] أي هو النّار.
وقرأ الجمهور «يتوفّون» مبنيّا لما لم يسمّ فاعله ، ومعناه : يموتون ويقبضون ؛ قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزمر : ٤٢] ، وأصل التوفي أخذ الشيء وافيا كاملا ، فمن مات ، فقد وجد عمره وافيا كاملا.
__________________
(١) ينظر معاني القرآن : ١ / ١٧٦.