فصل
تمسّك أصحاب أبي حنيفة في جواز النّكاح بغير وليّ بقوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) قالوا : وإضافة الفعل إلى الفاعل محمول على المباشرة ؛ لأنّ هذا هو الحقيقة في اللفظ.
والجواب أنّ هذا الخطاب مع الأولياء ، أو الحكّام ؛ كما تقدّم ، وتقدير الآية : لا جناح على النّساء وعليكم ، ثم قال : (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي : ما يحسن عقلا وشرعا ؛ لأنّ المعروف ضدّ المنكر الذي لا يحسن ، وذلك هو الحلال من التزوج (١) إذا كان مستجمعا لشرائط الصّحّة ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٢٣٥)
قال القرطبيّ : لا جناح ، أي : لا إثم (٢) والجناح : الإثم ، وهو أصح في الشّرع.
وقيل : بل هو الأمر الشاقّ ، وهو أصحّ في اللغة ؛ قال الشّمّاخ : [الوافر]
١١٣٥ ـ إذا تعلو براكبها خليجا |
|
تذكّر ما لديه من الجناح (٣) |
و «التّعريض» في اللغة : ضدّ التصريح ، ومعناه : أن يضمّن كلامه ما يصلح للدّلالة على مقصوده ، ويصلح للدّلالة على غير مقصوده ، إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتمّ وأرجح.
وأصله من عرض الشيء ، وهو جانبه ؛ كأنّه يحوم حوله ؛ ولا يظهر ، ونظيره أن يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلم عليك ، ولأنظر إلى وجهك الكريم ؛ ولذلك قال : [الطويل]
١١٣٦ ـ .......... |
|
وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا (٤) |
والتعريض قد يسمّى تلويحا ؛ لأنّه يلوح منه ما يريده ، والفرق بين الكناية والتعريض : أنّ الكناية ذكر الشّيء بذكر لوازمه ؛ كقولك فلان طويل النجاد ، كثير الرماد ؛ لأنّ النجاد عبارة عن حميلة السّيف ، إذا كانت حميلة سيفه طويلة ، لزم منه أن يكون الرّجل طويلا ، وكذلك إذا كان كثير الرماد ، لزم منه أن يكون كثير الطّبخ للأضياف ،
__________________
(١) في ب : الزوج.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٢٤.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٢٤.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٢٨٣ ، الرازي ٦ / ١١١.