ولا مضارع ، وكذلك : ذو ، وما فتئ ، وهلمّ ، وهاك وهات وتعال وتعالوا. ومعنى «لا يزالون»: نفي ، فإذا دخلت عليه «ما» كان ذلك نفيا للنّفي ، فيكون دليلا على الثّبوت الدّائم.
قوله تعالى : (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ) حتى حرف جرّ ، ومعناها يحتمل وجهين :
أحدهما : الغاية.
والثاني : التّعليل بمعنى كي ، والتّعليل أحسن ؛ لأن فيه ذكر الحامل لهم على الفعل ، والغاية ليس فيها ذلك ولذلك لم يذكر الزّمخشريّ غير كونها للتّعليل قال : «وحتّى» معناها التّعليل كقولك : «فلان يعبد الله ، حتّى يدخل الجنّة» ، أي : يقاتلونكم كي يردّوكم». ولم يذكر ابن عطيّة غير كونها غاية قال : و «يردّوكم» نصب ب «حتّى» ؛ لأنّها غاية مجرّدة. وظاهر قوله : «منصوب بحتّى» أنه لا يضمر «أن» لكنّه لا يريد ذلك ، وإن كان بعضهم يقول بذلك. والفعل بعدها منصوب بإضمار أن وجوبا.
و «يزالون» مضارع زال النّاقصة التي ترفع الاسم ، وتنصب الخبر ، ولا تعمل إلا بشرط أن يتقدّمها نفي ، أو نهي ، أو دعاء ، وقد يحذف النّافي باطّراد إذا كان الفعل مضارعا في جواب قسم ، وإلّا فسماعا ، وأحكامها في كتب النّحو ، ووزنها فعل بكسر العين ، وهي من ذوات الياء بدليل ما حكى الكسائيّ في مضارعها : يزيل ، وإن كان الأكثر يزال ، فأمّا زال التّامّة ، فوزنها فعل بالفتح ، وهي من ذوات الواو لقولهم في مضارعها يزول ، ومعناها التّحوّل. و «عن دينكم» متعلق ب «يردّوكم» وقوله : (إِنِ اسْتَطاعُوا) شرط جوابه محذوف للدلالة عليه ، أي : إن استطاعوا ذلك ، فلا يزالوا يقاتلونكم ، ومن رأى جواز تقديم الجواب ، جعل «لا يزالون» جوابا مقدّما ، وقد تقدّم الرّدّ عليه بأنّه كان ينبغي أن تجب الفاء في قولهم : «أنت ظالم إن فعلت».
قوله : (مَنْ يَرْتَدِدْ) «من» شرطيّة في محلّ رفع بالابتداء ، ولم يقرأ أحد هنا بالإدغام ، وفي المائدة [آية ٥٤] اختلفوا فيه ، فنؤخّر الكلام على هذه المسألة إلى هناك إن شاء الله تعالى.
ويرتدد يفتعل من الرّدّ وهو الرّجوع كقوله : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [الكهف: ٦٤]. قال أبو حيّان : «وقد عدّها بعضهم فيما يتعدّى إلى اثنين إذ كانت عنده بمعنى صيّر ، وجعل من ذلك قوله : (فَارْتَدَّ بَصِيراً) [يوسف : ٩٦] أي : رجع» وهذا منه سهو ؛ لأنّ الخلاف إنّما هو بالنّسبة إلى كونها بمعنى صار ، أم لا ، ولذلك مثلوا بقوله : (فَارْتَدَّ بَصِيراً) فمنهم من جعلها بمعنى : «صار» ، ومنهم من جعل المنصوب بعدها حالا ، وإلّا فأين المفعولان هنا؟ وأمّا الذي عدّوه يتعدّى لاثنين بمعنى : «صيّر» ، فهو ردّ لا ارتدّ ، فاشتبه عليه ردّ ب «ارتدّ» وصيّر ب «صار».