الكنّ ، وفي النّفس ؛ بمعنى ، ومنه (ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) [القصص : ٦٩] ، و (بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات : ٤٩] وفرّق قوم بينهما ، فقالوا : كننت الشيء : إذا صنته حتّى لا تصيبه آفة ، وإن لم يكن مستورا يقال : درّ مكنون وجارية مكنونة ، وبيض مكنون مصون عن التدحرج ؛ وأمّا «أكننت» فمعناه : أضمرت ويستعمل ذلك في الشيء الذي يخفيه الإنسان ، ويستره عن غيره ، وهو ضدّ أعلنت وأظهرت ، ومفعول «أكنّ» محذوف يعود على «ما» الموصولة في قوله : (فِيما عَرَّضْتُمْ) أي : أو أكننتموه ، ف (فِي أَنْفُسِكُمْ) متعلّق ب «أكننتم» ، ويضعف جعله حالا من المفعول المقدّر.
فصل في عدوم وجوب الحد بالتعريض
استدلّ بعضهم (١) بهذه الآية على أنّه لا يجب الحدّ بالتعريض بالقذف [لأنّ الله تعالى لمّا دفع الجرج في التعريض بالنّكاح ، دلّ على أنّ التعريض بالقذف](٢) لا يوجب الحد.
وأجيب بأنّ الله ـ تعالى ـ لم يحلّ التصريح بالخطبة في النكاح للمعتدّة ، وأذن في التعريض الذي يفهم منه النكاح ، فهذه يدلّ على أنّ التعريض يفهم منه القذف (٣) والأعراض يجب صيانتها ، وذلك يوحب الحدّ على المعرّض ؛ لئلا يتعرض الفسقة إلى أخذ الأعراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح.
فصل في المقصود من الآية
والمقصود من الآية أنّه لا حرج في التعريض للمرأة في عدّة الوفاة ، ولا فيما يضمره الرجل من الرغبة فيها.
فإن قيل : إنّ التعريض بالخطبة أعظم حالا من أن يميل بقلبه إليها ، ولا يذكر باللّسان شيئا ، فلمّا قدّم جواز التعريض بالخطبة ، كان قوله بعد ذلك (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) جار مجرى إيضاح الواضحات.
فالجواب : ليس المراد ما ذكرتم ، بل المراد أنّه أباح التعريض ، وحرّم التصريح في الحال ، ثم قال : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) والمراد : أن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك في المستقبل ، ففي أوّل الآية أباح التعريض في الحال ، وحرّم التصريح في الحال ، وها هنا أباح له أن يعقد عليه على أنّه سيصرّح بذلك بعد انقضاء العدّة ، ثم إنّه تعالى ذكر الوجه الذي لأجله أباح ذلك ، فقال : «علم أنّكم ستذكرونهنّ» لأنّ شهوة النفس إذا حصلت للنكاح ، لا يكاد يخلو ذلك المشتهي من العزم ، والتّمنّي ، فلمّا كان دفع هذا
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٢٥.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : النكاح.