إلّا حمار» لو قلت : «ما جاء إلّا حمار» ، صحّ ؛ بخلاف القسم الثاني ؛ فإنّه لا يتوجّه عليه العامل وقد تقدم البحث في مثل هذا كثيرا.
فصل في القول المعروف ما هو؟
قال بعض المفسرين : هو التعريض بالخطبة.
وقال آخرون : لمّا أذن في أوّل الآية بالتعريض ، ثم نهي عن المسارّة معها ؛ دفعا للريبة ، استثني منه المسارّة بالقول بالمعروف ، وهو أن يعدها في السرّ بالإحسان إليها ، والاهتمام بشأنها ، والتكفّل بمصالحها ؛ حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة ، مؤكّدا لذلك التعريض.
قوله : (وَلا تَعْزِمُوا) في لفظ «العزم» وجوه :
الأول : أنّه عبارة عن عقد القلب على فعل من الأفعال ، قال تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] فلا بدّ في الآية من إضمار فعل ، وهذا اللفظ إنما يعدّى للفعل بحرف «على» فيقال : فلان عزم على كذا ، فيكون تقدير الآية : «ولا تعزموا على عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله» والمقصود منه المبالغة في النهي عن النكاح في زمان العدّة ، فإنّ العزم متقدم على المعزوم عليه ، فإذا ورد النهي عن الإقدام على المعزوم عليه كان أولى.
الثاني : أنّ العزم عبارة عن الإيجاب ، يقال : عزمت عليكم ، أي : أوجبت ، ويقال هذا من باب العزائم ، لا من باب الرّخص ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «عزمة من عزائم ربّنا» (١) وقال : «إنّ الله تعالى يحبّ أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه» (٢) ، فالعزم بهذا المعنى جائز على الله تعالى ، وبالوجه الأول لا يجوز.
وإذا ثبت هذا فنقول : الإيجاب سبب الوجود ظاهرا ، فلا يبعد أن يستفاد لفظ العزم من الوجود ، وعلى هذا فقوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) ، أي : لا تحقّقوا ، ولا تنشئوا ، ولا تفرّعوا منه فعلا ؛ حتى يبلغ الكتاب أجله وهذا اختيار أكثر المحققين.
الثالث : قال القفّال (٣) : إنما لم يقل : ولا تعزموا على عقدة النكاح ؛ لأن معناه : ولا تعقدوا عقدة.
قال القرطبيّ : عزم الشيء وعزم عليه قال تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) [البقرة : ٢٢٧]
__________________
(١) أخرجه أبو داود (١ / ٤٩٤) كتاب الزكاة : باب في زكاة السائمة حديث (١٥٧٥) والنسائي (٥ / ١٥ ـ ١٦) كتاب الزكاة : باب عقوبه مانع الزكاة والحاكم (١ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨) من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده به. وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١١٥.