وذهب قوم إلى أنّ لها المهر ، لأن الموت كالدخول في تقرير المسمّى ، فكذلك في إيجاب مهر المثل ، إذا لم يكن في العقد مسمى ، وهو قول الثّوريّ ، وأحمد ، وأصحاب الرّأي.
واحتجّوا بما روى علقمة ، عن ابن مسعود : أنّه سئل عن رجل تزوّج امرأة ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها حتى مات.
قال ابن مسعود : لها صداق نسائها ؛ لا وكس ، ولا شطط ؛ وعليها العدّة ، ولها الميراث ؛ فقام معقل بن يسار الأشجعيّ ، فقال : «قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بروع بنت واشق ـ امرأة منّا ـ مثل ما قضيت» ، ففرح بها ابن مسعود (١).
وقال الشّافعيّ : فإن ثبت حديث بروع بنت واشق ، فلا حجّة في قول أحد دون النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وإن لم يثبت ، فلا مهر لها ؛ ولها الميراث. وكان عليّ ـ رضي الله عنه ـ يقول في حديث بروع : لا تقبل قول أعرابيّ من أشجع ، على كتاب الله ، وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فصل في اختلافهم في الخلوة
إنّما خصّ المحسنين ؛ لأنهم المنتفعون بهذا البيان ، كقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥].
وقال أبو مسلم (٢) : من أراد أن يكون من المحسنين ، فهذا شأنه ، وطريقه ، والمحسن : هو المؤمن ؛ فيكون المعنى : أنّ العمل بما ذكرت هو طريق المؤمنين ، وقيل : «حقّا على المحسنين» إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله تعالى.
قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢٣٧)
هذه الآية في المطلّقة قبل المسيس المفروض لها ؛ فبيّن أنّ لها نصف ما فرض لها.
واختلف أهل العلم في الخلوة ، فقال الشّافعيّ : إنها تقرر نصف المهر.
وقال أبو حنيفة : الخلوة الصّحيحة : أن يخلو بها ، وليس هناك مانع حسي ، ولا شرعيّ ، فالحسّي : كالرّتق ، والقرن والمرض أو معهما ثالث.
والشرعي : كالحيض ، والنّفاس ، وصوم الفرض ، وصلاة الفرض ، والإحرام المطلق ؛ فرضا كان ، أو نفلا.
__________________
(١) أخرجه النسائي (٦ / ١٢٢) رقم (٣٣٥٦ ، ٣٣٥٧) وسعيد بن منصور في «سننه» رقم (٩٢٩).
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٢٠.