وقال أبو حنيفة : يلزمه قضاء ما أدى وكذلك الحج ، حجة الشّافعي قوله تعالى : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) شرط في إحباط العمل أن يموت وهو كافر ، وهذا الشّخص لم يوجد في حقّه هذا الشّرط ؛ فوجب ألّا يصير عمله محبطا.
فإن قيل : هذا معارض بقوله تعالى : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٨٨] وقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة : ٥].
ولا يقال : حمل المطلق على المقيّد واجب (١) ؛ لأنّا نقول : ليس هذا من باب المطلق والمقيّد ؛ فإنّهم أجمعوا على أنّ من علّق حكما بشرطين ، وعلقه بشرط ، أنّ الحكم ينزل عند أيّهما وجد كمن قال لعبده : أنت حرّ ؛ إذا جاء يوم الخميس ، ولم يكن في ملكه ، ثم اشتراه ، ثم جاء يوم الخميس ؛ عتق ولو كان باعه ، فجاء يوم الخميس وهو في ملكه عتق بالتعليق الأوّل.
فصل في محل إحباط العمل
ليس المراد من إحباط العمل نفس العمل ؛ لأنّ العمل شيء كما وجد ، فني وزال ، وإعدم المعدوم محال. ثمّ اختلف المتكلّمون فيه ؛ فقال المثبتون للإحباط والتّكفير : المراد منه أنّ عقاب الرّدّة الحادثة يزيل ثواب الإيمان السّابق ، إمّا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم وجمهور المتأخرين من المعتزلة ، أو لا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي علي (٢).
وقال المنكرون للإحباط : هذا المعنى المراد من الإحباط الوارد في كتاب الله ، هو أنّ المرتدّ إذا أتى بالرّدّة فتلك الرّدة عمل محبط ؛ لأنّ الآتي بالرّدّة كان يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحق به ثوابا ، فإذا لم يأت بذلك العمل الجيّد ، وأتى بدله بهذا العمل الرّديء ، لا يستفيد منه نفعا ، بل يستفيد منه أعظم المضارّ ، يقال : إنّه حبط عمله ، أي : بعمل باطل ، ليس فيه فائدة ، بل فيه مضرّة.
__________________
(١) انظر في المطلق والمقيّد المصادر التالية : البحر المحيط للزركشي ٣ / ٤١٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٣ / ٣ ، سلاسل الذهب للزركشي ص ٢٨٠ ، نهاية السول للإسنوي ٢ / ٣١٩ ، زوائد الأصول له ٢٩٨ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ٨٢ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ٤٠٧ ، المستصفى للغزالي ٢ / ١٨٥ ، حاشية البناني ٢ / ٤٤ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٣ / ٧٦ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص ٢٦٢ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ٢ / ٧٩ ، المعتمد لأبي الحسين ١ / ٢٨٨ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ١ / ٢٣٨ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ٥٦١ ، كشف الأسرار للنسفي ١ / ٤٢٢ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ٢ / ١٥٥ ، الوجيز للكراماستي ص ١٤ ، تقريب الوصول لابن جزيّ ص ٨٣ ، إرشاد الفحول للشوكاني ص ١٦٤ ، شرح الكوكب المنير للفتوحي ص ٤٢٠ ، نشر البنود للشنقيطي ١ / ٢٥٨ ، وينظر الروضة لابن قدامة (١٣٦) الحدود للباجي (١٤٧) ، المدخل ٢٦٠.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٣٣.