فالواجب : كالقتال مع الكفار ، وهو الأصل في صلاة الخوف ، وفيه نزلت الآية ، ويلحق به قتال أهل البغي ، بقوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩].
والمباح : كدفع الصائل بخلاف ما إذا قصد الكافر نفسه ؛ فإنه يجب الدفع ، وفي الدفع عن كل حيوان محترم ، فإنّه يجوز فيه صلاة الخوف.
وأمّا المحظور فلا يجوز فيه صلاة الخوف ؛ لأن هذا رخصة ، والرخصة إعانة ؛ والعاصي لا يستحقّ الإعانة.
القسم الثاني : في الخوف الحاصل في غير القتال ، كالهارب من الحرق ، أو الغرق ، أو السّبع ، أو المطالبة بدين ، وهو معسر خائف من الحبس عاجز عن بيّنة الإعسار فلهم أن يصلّوا صلاة الخوف ؛ لأن قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ) مطلق يتناول الكلّ ، فإن قيل : المراد منه الخوف من العدوّ حال المقاتلة.
قلنا : سلمنا ذلك ، ولكن علمنا أنّه إنّما ثبت هناك ، لدفع الضّرر ، وهذا المعنى قائم هنا ، فوجب أن يكون ذلك الحكم مشروعا هنا.
فصل في عدد ركعات صلاة الحضر والسفر والخوف
ولا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند أكثر أهل العلم.
وروى مجاهد ، عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السّفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة (١).
وقال سعيد بن جبير : إذا كنت في القتال ، وضرب الناس بعضهم بعضا ، فقل سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، واذكر الله فتلك صلاتك (٢).
فصل
قال القرطبي (٣) : والمقصود من هذه الآية ، أن تفعل الصلاة كيفما أمكن ، ولا تسقط بحال ، حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإشارة بالعين لزم فعلها ، وبهذا تميزت عن باقي العبادات ؛ لأنها تسقط بالأعذار.
قال ابن العربيّ : ولهذا قال علماؤنا : إن تارك الصلاة يقتل لأنها أشبهت الإيمان
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٤٧٨) كتاب صلاة المسافرين باب صلاة المسافرين (٥ / ٦٨٧) وأبو داود (٢ / ١٧) رقم (١٢٤٧) والنسائي (١ / ٢٢٦) والبيهقي (٣ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤) وأحمد (٢١٧٧ ـ شاكر) والطبري في تفسيره (٥ / ٢٤٧).
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢٢.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٤٨.