إذ قد انقطعت عنهنّ مراقبتكم أيّها الورثة ، ثم عليها أنها لا تتزوج قبل انقضاء العدّة بالحول أو لا جناح في تزويجهنّ بعد انقضاء العدّة ، لأنه قال : «بالمعروف» ، وهو ما يوافق الشرع.
و «الله عزيز» صفة تقتضي الوعيد بالنسبة لمن خالف الحدّ في هذه النازلة ، في إخراج المرأة ، وهي لا تريد الخروج «حكيم» ، أي محكم لما يريد من أمور عباده والله أعلم.
قوله : (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) هذان الجارّان يتعلّقان بما تعلّق به خبر «لا» وهو «عليكم» من الاستقرار ، والتقدير : لا جناح مستقرّ عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ ، و «ما» موصولة اسمية ، والعائد محذوف ، تقديره : فعلنه ، و «من معروف» متعلّق بمحذوف ؛ لأنه حال من ذلك العائد المحذوف ، وتقديره : فيما فعلنه كائنا من معروف.
وجاء في هذه الآية «من معروف» نكرة مجرورة ب «من» ، وفي الآية قبلها «بالمعروف» معرّفا مجرورا بالباء ؛ لأنّ هذه لام العهد ؛ كقولك : «رأيت رجلا فأكرمت الرّجل» إلّا أنّ هذه ، وإن كانت متأخرة في اللفظ ، فهي مقدّمة في التنزيل ، ولذلك جعلها العلماء منسوخة بها ، إلا عند شذوذ ، وتقدّم نظائر هذه الجمل ، فلا حاجة إلى إعادة الكلام فيها.
فصل في سبب النزول
في هذه الآية ثلاثة أقوال :
الأول : وهو اختيار جمهور المفسرين أنها منسوخة ، قالوا : نزلت الآية في رجل من أهل الطائف ، يقال له : حكيم بن الحرث ، هاجر إلى المدينة ، وله أولاد ، ومعه أبواه وامرأته ، فمات ، فأنزل الله هذه الآية ؛ فأعطى النبي صلىاللهعليهوسلم والديه ، وأولاده ميراثه ، ولم يعط امرأته شيئا ، وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا كاملا (١) ، وكانت عدّة الوفاة في ابتداء الإسلام حولا ، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول ، وكان نفقتها وسكناها واجبة في مال زوجها تلك السّنة ، ما لم يخرج ، ولم يكن لها الميراث ، فإن خرجت من بيت زوجها ، سقطت نفقتها ، وكان على الرجل أن يوصي بها ، فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث ، فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالرّبع ، والثّمن ، ونسخ عدّة الحول ب (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً).
قال ابن الخطيب : دلّت هذه الآية على وجوب أمرين :
أحدهما : وجوب النفقة ، والسّكنى من مال الزّوج ، سواء قراءة «وصيّة ووصيّة» بالرفع ، أو بالنصب.
__________________
(١) أخرجه اسحق بن راهويه في «تفسيره» عن مقاتل بن حيان كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٥٠).