فليوصوا وصيّة ، فأنتم تضيفون هذا الحكم إلى الله تعالى ، وأبو مسلم يقول : بل تقدير الآية : والذين يتوفون منكم ، ولهم وصيّة لأزواجهم ، أو تقديرها : وقد أوصوا وصيّة لأزواجهم فهو يضيف هذا الكلام إلى الزّوج ، وإذا كان لا بدّ من الإضمار فليس إضماركم أولى من إضمارنا ثم على تقدير أن يكون الإضمار ما ذكره أبو مسلم ؛ لم يلزم تطرّق النّسخ إلى الآية ، فيكون أولى.
وإذا ثبت هذا فنقول : الآية من أولها إلى آخرها ، تكون جملة واحدة شرطيّة ، فالشّرط هو قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) ، فهذا كلّه شرط والجزاء هو قوله : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) فهذا تقرير قول أبي مسلم.
قال ابن الخطيب (١) : وهو في غاية الصّحّة ، وعلى تقدير باقي المفسّرين ، فالمعنى : والذين يتوفّون منك أيّها الرّجال ، ويذرون زوجات فليوصوا وصيّة ، وكتب عليكم الوصيّة بأن تمتّعوهنّ متاعا ، أي : نفقة سنة لطعامها ، وكسوتها ، وسكناها ، غير مخرجين لهن ، فإن خرجن من قبل أنفسهنّ قبل الحول من غير إخراج الورثة ، فلا جناح عليكم يا أولياء الميّت ، فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف ، يعني : التّزين للنّكاح ، ولرفع الجناح عن الرّجال ، وجهان :
أحدهما : لا جناح عليكم في ترك منعهنّ من الخروج ؛ لأنّ مقامها في بيت زوجها حولا ، غير واجب عليها ، فخيّرها الله تعالى بين : أن تقيم حولا ، ولها النّفقة والسّكنى ، وبين أن تخرج إلى أن نسخت بأربعة أشهر وعشرا.
فإن قيل : إن الله تعالى ذكر الوفاة ، ثم أمرنا بالوصيّة ، فكيف يوصي المتوفى؟!
فالجواب أنّ معناه : والذين يقاربون الوفاة ينبغي أن يفعلوا هذا ، فجعل المقاربة للوفاة عبارة عنها.
وقيل : إنّ هذه الوصيّة يجوز أن تكون مضافة إلى الله تعالى ، بمعنى : «أمره ، وتكليفه» ، كأنّه قيل : وصيّة من الله لأزواجهم ، كقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [النساء : ١١].
فصل
المعتدّة من فرقة الوفاة ، لا نفقة لها ، ولا كسوة حاملا كانت ، أو حائلا.
وروي عن عليّ ، وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّ لها النّفقة إذا كانت حاملا (٢) ،
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣٥.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣٥.