وعن جابر ، وابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا : لا نفقة لها ، حسبها الميراث ، وهل تستحقّ السّكنى؟ قال عليّ ، وابن عباس ، وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ : لا تستحقّ السّكنى ، وهذا مذهب أبي حنيفة والمزنيّ.
وقال عمر ، وابن عمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وأمّ سلمة : إنها تستحقّ السّكنى ، وبه قال مالك ، والثّوريّ ، وأحمد.
واحتجّ كلّ من الطّائفتين بخبر فريعة بنت مالك ، أخت أبي سعيد الخدريّ ، قتل زوجها ؛ فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إنّي أرجع إلى أهلي ، فإنّ زوجي ما تركني في منزل يملكه ؛ فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «نعم» ، فانصرفت حتى إذا كنت في المسجد ، أو في الحجرة دعاني فقال : «امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله» (١) ، فاختلفوا في تنزيل هذا الحديث.
فقيل : لم يوجب في الابتداء ، ثمّ أوجب ؛ فصار الأوّل منسوخا.
وقيل : أمرها بالمكث في بيتها أجرا على سبيل الاستحباب ، لا على سبيل الوجوب.
واحتجّ المزنيّ على أنّه لا سكنى لها فقال : أجمعنا على أنّه لا نفقة لها ؛ لأنّ الملك انقطع بالموت ، فكذلك السّكنى بدليل : أنهم أجمعوا على أنّ من وجب له نفقة ، وسكنى عن ولد ووالد على رجل ؛ فمات ؛ انقطعت نفقتهم ، وسكناهم ؛ لأنّ ماله صار ملكا للوارث ، فكذا هاهنا.
وأجيب بأنّه لا يمكن قياس السّكنى على النفقة ؛ لأنّ المطلقة ثلاثا تستحقّ السّكنى بكلّ حال ، ولا تستحقّ النّفقة لنفسها عند المزنيّ. ولأن النّفقة وجبت في مقابلة التّمكين من الاستمتاع ، ولا يمكن هاهنا ، وأمّا السّكنى وجبت لتحصين النساء ، وهو موجود هاهنا فافترقا.
قوله تعالى : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٤٢)
إنّما أعاد ذكر المتعة هاهنا ؛ لزيادة معنى ؛ وذلك أنّ في غيرها بيان حكم غير الممسوسة ، وفي هذه الآية : بيان حكم جميع المطلّقات في المتعة.
وقيل : لأنّه لما نزل قوله تعالى : (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) ، إلى قوله : (حَقًّا
__________________
(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٥٩١) رقم (٨٧) وأبو داود (٢٣٠٠) والترمذي (١ / ٢٢٧) والنسائي (٢ / ١١٣) وابن ماجه (٢٠٣١) وأحمد (٦ / ٣٧٠ ، ٤٢٠ ـ ٤٢١) وابن أبي شيبة (٥ / ١٨٤) والدارمي (٢ / ١٦٨) ، والشافعي (١٧٠٤) والبيهقي (٧ / ٤٣٤).
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.