قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢١٨)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا).
إنّ واسمها و «أولئك» مبتدأ ، و «يرجون» خبره ، والجملة خبر «إنّ» ، وهو أحسن من كون «أولئك» بدلا من «الّذين» ، و «يرجون» خبر «إنّ». وجيء بهذا الأوصاف الثّلاثة مترتّبة على حسب الواقع ، إذ الإيمان أول ، ثم المهاجرة ، ثم الجهاد.
وأفرد الإيمان بموصول وحده ؛ لأنّه أصل الهجرة والجهاد ، وجمع الهجرة ، والجهاد في موصول واحد ، لأنّهما فرعان عنه ، وأتى بخبر «إنّ» اسم إشارة ؛ لأنّه متضمّن للأوصاف السّابقة. وتكرير الموصول بالنّسبة إلى الصّفات ، لا الذّوات ، فإنّ الذّوات متّحدة موصوفة بالأوصاف الثّلاثة ، فهو من باب عطف بعض الصّفات على بعض ، والموصوف واحد. ولا نقول : إنّ تكرير الموصوف يدلّ على تغاير الذّوات الموصوفة ؛ لأنّ الواقع كان كذلك. وأتى ب «يرجون» ؛ ليدلّ على التّجدّد وأنهم في كلّ وقت يحدثون رجاء.
والمهاجرة : مفاعلة من الهجر ، وهي الانتقال من أرض إلى أرض ، وأصل الهجر التّرك. والمجاهدة مفاعلة من الجهد ، وهو استخراج الوسع وبذل المجهود ، والإجهاد : بذل المجهود في طلب المقصود ، والرّجاء : الطمع.
وقال الرّاغب (١) : هو ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة ، وقد يطلق على الخوف ؛ وأنشد: [الطويل] :
١٠٦٤ ـ إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عواسل (٢) |
أي : لم يخف ، وقال تعالى : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) [يونس : ٧] أي : لا يخافون ، وهل إطلاقه عليه بطريق الحقيقة ، أو المجاز؟ فزعم قوم أنه حقيقة ، ويكون من الاشتراك اللّفظي ، وزعم قوم أنه من الأضداد ، فهو اشتراك لفظيّ أيضا. قال ابن عطيّة : «وليس هذا بجيّد» ، يعني : أنّ الرّجاء والخوف ليسا بضدّين إذ يمكن اجتماعهما ، ولذلك قال الرّاغب (٣) ـ بعد إنشاده البيت المتقدّم ـ «ووجه [ذلك] : أنّ الرّجاء والخوف يتلازمان» ، وقال ابن عطيّة : «والرّجاء أبدا معه خوف ، كما أنّ الخوف معه رجاء». وزعم قوم أنه مجاز للتلازم الّذي ذكرناه عن الرّاغب وابن عطيّة.
وأجاب الجاحظ عن البيت بأنّ معناه لم يرج برء لسعها وزواله فالرّجاء على بابه.
__________________
(١) ينظر : المفردات ١٩٥.
(٢) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ينظر ديوانه : ١ / ١٤٣ ، الكشاف ٤ / ٤٤٩ والدر المصون ١ / ٥٣٤.
(٣) ينظر : المفردات للراغب ١٩٦.