أتى بهذه الجملة مؤكّدة ب «إن» واللام ، وأتى بخبر «إنّ» : «ذو» الدّالة على الشّرف بخلاف «صاحب». و «على النّاس» متعلق بفضل تقول : تفضّل فلان عليّ ، أو بمحذوف ؛ لأنه صفة له فهو في محلّ جرّ ، أي : فضل كائن على النّاس. وأل في النّاس للعموم. والمعنى أنّ هذه القصّة تشجع الإنسان على الإقدام على طاعة الله تعالى ، وتزيل عن قلبه الخوف ، فكان ذكر هذه القصّة سببا لبعد العبد عن المعصية ، وقربه من الطّاعة ، فكان ذكر هذه القصّة فضلا وإحسانا من الله على عبده وقيل للعهد والمراد بهم : الّذين أماتهم لأنهم خرجوا من الدّنيا على المعصية ، ثم أعادهم إلى الدّنيا ؛ حتى تابوا.
وقيل : المراد بالعهد أنّ العرب الذين كانوا منكرين للمعاد ؛ كانوا متمسّكين بقول اليهود في كثير من الأمور إذا سمعوا بهذه الواقعة ، فالظّاهر أنّهم يرجعون من الدين الباطل الّذي هو الإنكار إلى الدّين الحقّ ، وهو الإقرار بالبعث ، فيتخلّصون من العقاب ، وكان ذكر هذه القصّة ؛ فضلا من الله في حقّ هؤلاء.
قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) هذا استدراك ممّا تضمّنه قوله (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ؛ لأنّ تقديره : فيجب عليهم أن يشكروه لتفضّله عليهم بالإيجاد ، والرّزق ، ولكنّ أكثرهم غير شاكر. وهو كقوله : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء : ٨٩].
قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢٤٤)
قوله تعالى : «وقاتلوا» هذه الجملة فيها أقوال :
أحدها : أنه عطف على قوله : «موتوا» وهو أمر لمن أحياهم الله بعد الإماتة بالجهاد ، [أي] فقال لهم : موتوا وقاتلوا ، روي ذلك عن ابن عبّاس ، والضّحاك. قال الطّبريّ : «ولا وجه لهذا القول».
والثاني : [أنها معطوفة على قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) وما بينهما اعتراض.
والثالث] : أنّها معطوفة على محذوف تقديره : «فأطيعوا وقاتلوا ، أو فلا تحذروا الموت كما حذره الذين من قبلكم ، فلم ينفعهم الحذر» قاله أبو البقاء (١).
والظّاهر أنّ هذا أمر لهذه الأمة بالجهاد ، بعد ذكره قوما لم ينفعهم الحذر من الموت ، فهو تشجيع لهم ، فيكون من عطف الجمل ؛ فلا يشترط التوافق في أمر ولا غيره.
قوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) فالسّبيل : هو الطّريق ، وسمّيت العبادات سبيلا إلى الله من حيث إنّ الإنسان بسلوكها يتوصّل إلى ثواب الله.
قال القرطبي (٢) : وهذا قول الجمهور ، وهو الّذي ينوى به أن تكون كلمة الله هي
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠١.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥٤.