العليا ، وسبل الله كثيرة ، فهي عامّة في كلّ سبيل. قال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨] قال مالك : سبل الله كثيرة ، وما من سبيل إلّا يقاتل عليها أو فيها أو لها ، وأعظمها دين الإسلام ، فلا جرم كان المجاهد مقاتلا في سبيل الله. ثمّ قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : يسمع كلامكم في ترغيب الغير في الجهاد ، أو في ترعيب الغير عنه ، و «عليم» بما في ضمائركم من البواعث ، والأعراض : أنّ ذلك الجهاد لغرض الدّين ، أو لغرض الدّنيا.
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٤٥)
«من» للاستفهام ومحلّها الرّفع على الابتداء ، و «ذا» اسم إشارة خبره ، و «الّذي» وصلته نعت لاسم الإشارة ، أو بدل منه ، ويجوز أن يكون «من ذا» كلّه بمنزلة اسم واحد تركّبا كقولك : «ماذا صنعت» كما تقدّم في قوله : (ما ذا أَرادَ اللهُ) [البقرة : ٢٦]. ومنع أبو البقاء (١) هذا الوجه وفرّق بينه وبين قولك : «ماذا» حيث يجعلان اسما واحدا بأنّ «ما» أشدّ إبهاما من «من» ؛ لأنّ «من» لمن يعقل. ولا معنى لهذا المنع بهذه العلة ، والنحويون نصّوا على أنّ حكم «من ذا» حكم «ماذا».
ويجوز أن يكون «ذا» بمعنى الّذي ، وفيه حينئذ تأويلان :
أحدهما : أنّ «الّذي» الثاني تأكيد له ؛ لأنّه بمعناه ، كأنّه قيل : من الّذي يقرض الله قرضا.
والثاني : أن يكون «الذي» خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة ذا ، تقديره : «من الذي [هو الّذي] يقرض ، وذا وصلته خبر «من» الاستفهاميّة. أجاز هذين الوجهين ابن مالك ، قال شهاب الدين وهما ضعيفان ، والوجه ما قدّمته.
وانتصب «قرضا» على المصدر على حذف الزّوائد ، إذ المعنى : إقراضا كقوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ، وعلى هذا فالمفعول الثاني محذوف تقديره : «يقرض الله مالا وصدقة» ، ولا بدّ من حذف مضاف تقديره : يقرض عباد الله المحاويج ، لتعاليه عن ذلك ، أو يكون على سبيل التّجّوز ، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول نحو : الخلق بمعنى المخلوق ، وانتصابه حينئذ على أنه مفعول ثان ل «يقرض».
قال الواحديّ (٢) : والقرض في هذه الآية اسم لا مصدر ، ولو كان مصدرا ؛ لكان إقراضا. و «حسنا» يجوز أن يكون صفة لقرضا بالمعنيين المذكورين ، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف ، إذا جعلنا «قرضا» بمعنى مفعول أي : إقراضا حسنا.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠١.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٤٣.