الفقير لا يملك شيئا ، وكان في قلبه أنه لو قدر على الإنفاق لأنفق ، وأعطى ، فحينئذ تكون نيته قائمة مقام الإنفاق ، فقد روي أنّه عليه الصّلاة والسّلام قال : «من لم يكن عنده ما يتصدّق به ؛ فليلعن اليهود ، فإنّه له صدقة» (١).
فصل
قال القرطبي (٢) : وذكر القرض ها هنا إنّما هو تأنيس ، وتقريب للنّاس بما يفهمونه ، والله هو الغنيّ الحميد ، لكنّه تعالى شبّه عطاء المؤمنين في الدّنيا ، بما يرجون به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبّه إعطاء النّفوس ، والأموال في أخذ الجنّة ، بالبيع والشراء.
قوله تعالى (٣) : «حسنا» قال الواقديّ : محتسب طيبة به نفسه.
وقال عمرو بن عثمان الصّدفيّ : «لا يتبعه منّا ، ولا أذى».
وقال سهل بن عبد الله : لا يعتقد في قرضه عوضا.
واعلم : أنّ هذا الإقراض إذا قلنا : المراد به الإنفاق في سبيل الله ، فهو يخالف القرض من وجوه :
الأول : أنّ القرض إنّما يأخذه من يحتاج إليه لفقره ، وذلك في حقّ الله تعالى محال.
الثاني : أنّ البدل في القرض المعتاد لا يكون إلّا المثل ، وفي هذا الإنفاق هو الضّعف.
الثالث : أنّ المال الذي يأخذه المستقرض ، لا يكون ملكا له ، وها هنا المال المأخوذ ملك له ، ومع هذه الفروق سمّاه الله تعالى قرضا ، والحكمة فيه التّنبيه على أنّ ذلك لا يضيع عند الله كما أنّ القرض يجب أداؤه ، ولا يجوز الإخلال به ، فكذا الثّواب الواجب على هذا الإنفاق واصل إلى المكلف لا محالة.
فصل
قال القرطبيّ (٤) : القرض : قد يكون بالمال ، وقد بيّنّا حكمه ، كما قال عليه الصّلاة
__________________
(١) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (١٤ / ٢٧٠) من طريق علي بن الحسين بن حبان قال : وجدت في كتاب أبي ـ بخط يده ـ قال أبو زكريا : يعقوب بن محمد الزهري صدوق ولكن لا يبالي عمن حدث ، حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود».
قال ابن معين : هذا كذب وباطل لا يحدث بهذا أحد يعقل. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٢ / ١٥٧) من طريق الخطيب وقال : يعقوب قال أحمد بن حنبل : لا يساوي شيئا.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥٧.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥٨.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥٨.