وأمّا قوله : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) [يونس : ٧] أي لا يرجون ثواب لقائنا ، فالرّجاء أيضا على بابه ، قاله ابن عطيّة.
وقال الأصمعيّ : «إذا اقترن الرّجاء بحرف النّفي ، كان بمعنى الخوف» كهذا البيت والآية.
وفيه نظر إذ النّفي لا يغيّر مدلولات الألفاظ.
والرّجاء مقصود ناحية البئر ، وحافّاته من كل ناحية ، وجاؤوا بقوام (١) من النّاس يخطّون في قولهم بأعظم الرّجاء ، فيقصرون ، ولا يمدّون ، وكتبت «رحمة» هنا بالتّاء : إمّا جريا على لغة من يقف على تاء التّأنيث بالتّاء ، وإما اعتبارا بحالها في الوصل ، وهي في القرآن في سبعة مواضع ، كتبت في الجميع تاء ، هنا وفي الأعراف : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ) [آية : ٥٦] ، وفي هود : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ) [آية : ٧٣] ، وفي مريم : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) [آية : ٢] ، وفي الرّوم : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) [آية : ٥٠] ، وفي الزخرف : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ) [آية : ٣٢].
فصل
في تعلّق هذه الآية بما قبلها ، وجهان :
الأول : أنّ عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله ، هب أنّه لا عقاب علينا فيما فعلنا ، فهل نطمع منه أجرا ، وثوابا ، فنطمع أن يكون سفرنا هذا غزوا ؛ فأنزل الله هذه الآية ؛ لأنّ عبد الله كان مؤمنا ، ومهاجرا ، وسبب هذه المقاتلة ، كان مجاهدا.
الثاني : أنّه تعالى أوجب الجهاد من قبل بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] وبين أن تركه سبب الوعيد أتبع ذلك بذكر من يقوم به فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ولا يكاد يوجد وعيد إلّا ويعقبه وعد.
فصل في المراد بالرجاء
وفي هذا الرجاء قولان :
الأوّل : عبارة عن ظن المنافع التي يتوقعها وأراد تعالى هنا : أنّهم يظنّون في ثواب الله ؛ لأن عبد الله بن جحش ما كان قاطعا بالفوز والثّواب في عمله ، بل كان يتوقّعه ، ويرجوه.
فإن قيل : لم جعل الوعد مطلقا بالرّجاء ، ولم يقطع به ، كما في سائر الآيات؟
فالجواب من وجوه :
__________________
(١) في ب : رجاء لعوام.