«ويبسط» هاهنا وفي الأعراف بالسّين على الأصل ، والباقون بالصّاد لأجل الطاء. وقد تقدّم تحقيقه في (الصِّراطَ) [الفاتحة : ٦].
فصل
قوله : «يقبض» بإمساك الرّزق والنفس ، والتقتير ، و «يبسط» بالتّوسيع ، وقيل : يقبض بقبول التوبة الصّادقة ، ويبسط بالخلف ، والثّواب. وقيل : هو الإحياء والإماتة ، فمن أماته فقد قبضه ومن مدّ له في عمره فقد بسط له.
وقيل : يقبض بعض القلوب ، حتّى لا تقدم على هذه الطّاعة. والمعنى : أنّه كما أمرهم بالصّدقة أخبر أنّه لا يمكنهم ذلك إلا بتوفيقه ، وإعانته ، وقيل : ذكر ذلك ليعلم الإنسان أنّ القبض والبسط بيد الله ، فإذا علم ذلك ؛ انقطع نظره عن مال الدّنيا ، وبقي اعتماده على الله ، فحينئذ يسهل عليه الإنفاق ثمّ قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجزيكم بأعمالكم ، حيث لا حاكم ولا مدبّر سواه.
وقال قتادة (١) : الهاء في «إليه» راجعة إلى التّراب كناية عن غير مذكور ، أي من التّراب خلقتم ، وإليه ترجعون ، وتعودون.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(٢٤٦)
الملأ من القوم وجوههم ، وأشرافهم ، وهو اسم للجماعة من النّاس لا واحد له من لفظه كالرّهط والقوم ، والجيش. والملأ : الأشراف سمّوا بذلك ؛ لأنهم يملئون العيون هيبة ، أو المجالس إذا حضروا ؛ أو لأنهم مليئون بما يحتاج إليهم فيه ، وقال الفرّاء : «الملأ» الرجال في كلّ القرآن ، وكذلك القوم والرّهط والنّفر ، ويجمع على أملاء ؛ قال : [الطويل]
١١٥٨ ـ وقال لها الأملاء من كلّ معشر |
|
وخير أقاويل الرّجال سديدها (٢) |
قال القرطبي (٣) : والملأ أيضا حسن الخلق ، ومنه الحديث : «أحسنوا الملأ فكلّكم سيروى» أخرجه مسلم (٤).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢٦.
(٢) ينظر البحر ٢ / ٢٥٧ ، الدر المصون ١ / ٥٩٧.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥٩.
(٤) أخرجه مسلم (٣ / ١٩٧ ـ نووي) كتاب المساجد ومواضع الصلاة : باب قضاء الصلاة الفائتة حديث (٣١١ / ٦٨١) من حديث أبي قتادة.