«ومن بين أبنائنا» كذا قدره أبو البقاء (١). وقيل : إنّ هذا على القلب ، والأصل : وقد أخرج أبناؤنا منا ، ولا حاجة إلى هذا.
قوله تعالى : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا) ، فاعلم أن في الكلام محذوفا تقديره : فسألوا الله تعالى ذلك فبعث لهم ملكا وكتب عليهم القتال فتولوا.
قوله : «إلّا قليلا» نصب على الاستثناء المتصل من فاعل «تولّوا» فإن قيل المستثنى لا يكون مبهما ، لو قلت : «قام القوم لا رجالا» لم يصحّ ، فالجواب إنما صحّ هذا لأنّ «قليلا» في الحقيقة صفة لمحذوف ، ولأنه قد تخصّص بوصفه بقوله : «منهم» ، فقرب من الاختصاص بذلك.
وقرأ أبي (٢) : «إلّا أن يكون قليل منهم» وهو استثناء منقطع ، لأنّ الكون معنى من المعاني والمستثنى منه جثث. ولا بدّ من بيان هذه المسألة لكثرة فائدتها. وذلك أنّ العرب تقول : «قام القوم إلا أن يكون زيد وزيدا» بالرفع والنصب ، فالرفع على جعل «كان» تامة ، و «زيد» فاعل ، والنصب على جعلها ناقصة ، و «زيدا» خبرها ، واسمها ضمير عائد على اليعض المفهوم من قوة الكلام ، والتقدير : قام القوم إلا أن يكون هو ـ أي بعضهم ـ زيدا ، والمعنى : قام القوم إلا كون زيد في القائمين ، وإذا انتفى كونه قائما انتفى قيامه ، فلا فرق من حيث المعنى بين العبارتين ، أعني «قام القوم إلا زيدا» و «قاموا إلا أن يكون زيدا» ، إلا أن الأول استثناء متصل ، والثاني منقطع لما قررناه.
فصل
وجه تعلّق هذه الآية بما قبلها أنّه تعالى لما فرض القتال بقوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، ثمّ أمر بالإنفاق فيه بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) ذكر بعد ذلك هذه القصة تحريضا على عدم تركهم مخالفة الأمر بالقتال ، فإنّهم لما أمروا تولّوا ، وخالفوا ؛ فذمهم الله تعالى ونسبهم إلى الظّلم بقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) والمراد التّرغيب في الجهاد.
فصل فيمن هو النبي الذي نادى بالبعث في الآية
اختلفوا في ذلك النبيّ الذي قالوا له (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) من هو فقال قتادة : هو يوشع ابن نون بن أفرائيم بن يوسف لقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ مُوسى)(٣) وهذا ضعيف ؛ لأنّ قوله (مِنْ بَعْدِ مُوسى) كما لا يحتمل الاتصال بالتّعاقب يحتمل البعديّة بغير تعاقب ، وإن كان
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٩٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٥٩) وعزاه لعبد الرزاق عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣) عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ـ ٢٩٧). وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨ ـ ٥٥٩) وزاد نسبته لابن إسحق.