بينهما غير يوشع ؛ لأنّ البعديّة حاصلة ، وذكر ابن عطيّة في تضعيف هذا القول أنّ مدّة داود بعد موسى بقرون من النّاس ، ويوشع هو فتى موسى عليهما الصّلاة والسّلام.
وقال السّدّيّ : اسمه شمعون سمّته أمّه بذلك ؛ لأنّها دعت الله أن يرزقها غلاما ، فاستجاب الله دعاءها ، فسمته سمعون ، أي : سمع الله دعائي (١) ، والسّين تصير شيئا بالعبرانية وهو شمعون ابن صفيّة بنت علقمة ، من ولد لاوي بن يعقوب.
وقال سائر المفسّرين : هو اشمويل بن هلقايا.
فصل
كان سبب مسألتهم إيّاه ذلك ؛ لأنّه لمّا مات موسى خلف بعده في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التّوراة ، وأمر الله ، حتى قبضه الله ، ثمّ خلف فيهم «كالب بن يوفنا» ؛ حتى قبضه الله ، ثمّ حزقيل حتى قبضه الله ، ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل ، ونسوا عهد الله ؛ حتى عبدوا الأوثان ، فبعث الله إليهم «إلياس» نبيا ، فدعاهم إلى الله ، وكانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى ، يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التّوراة ، ثم خلف بعد «إلياس» «أليسع» ، وكان فيهم ما شاء الله ؛ حتّى قبضه الله ، وخلف فيهم الخلوف ، وعظمت الخطايا وظهر لهم عدوّ يقال له البلثاثا ، وهم قوم «جالوت» ، كانوا يسكنون ساحل بحر الرّوم ، بين مصر ، وفلسطين ، وهم العمالقة ، فظهروا على بني إسرائيل ، وغلبوا على كثير من أرضهم ، وسبوا كثيرا من ذراريهم ، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعين وأربعمائة غلام ، وضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا توراتهم ، ولقي بنو إسرائيل منهم بلاء شديدا ، ولم يكن لهم نبيّ يدبّر أمرهم ، وكان سبط النّبوّة قد هلكوا ، فلم يبق منهم إلّا امرأة حبلى ؛ فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية ، فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها ، وجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها الله غلاما ؛ فولدت غلاما فسمته شمويل تقول : سمع الله دعائي ، فكبر الغلام فأسلموه ليتعلم التّوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم وتبنّاه ، فلمّا بلغ الغلام أتاه جبريل ، وهو نائم إلى جنب الشّيخ ، وكان لا يأتمن عليه أحدا ، فدعاه جبريل بلحن الشيخ : يا أشمويل ، فقام الغلام فزعا إلى الشّيخ وقال : يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشّيخ أن يقول : لا فيفزع الغلام ، فقال : يا بنيّ ارجع فنم ، فرجع الغلام ، فنام ، ثمّ دعاه الثّانية ، فقال الغلام : يا أبت دعوتني!؟ فقال : ارجع فنم فإن دعوتك الثّالثة ؛ فلا تجبني ، فلمّا كانت الثّالثة ظهر له جبريل فقال له : اذهب إلى قومك ؛ فبلغهم رسالة ربّك ، فإن الله قد بعثك فيهم نبيّا ، فلمّا أتاهم كذّبوه ، وقالوا له : استعجلت بالنّبوّة ، ولم تنلك ، وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوّتك ، وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٤٦.