الملوك ، وطاعة الملوك لأنبيائهم ، فكان الملك هو الذي يسير بالجموع ، والنّبيّ يقوم له بأمره ، ويشير عليه برشده ، ويأتيه بالخبر من عند ربّه (١).
قال وهب : بعث الله أشمويل نبيّا ، فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ، ثمّ كان من أمر جالوت ، والعمالقة ما كان فقالوا لأشمويل : «ابعث لنا ملكا نقاتل» ، فقال : «هل عسيتم»؟! استفهام شكّ ، أي : لعلكم «إن كتب» أي : فرض (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) مع ذلك الملك ألا تفوا بما تقولون ، ولا تقاتلوا معه (قالُوا : وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) ، فجعلوا ذلك علّة قويّة توجب التّشديد في أمر الجهاد ؛ لأنّ من بلغ منه العدوّ هذا المبلغ ، فالظّاهر من أمره الاجتهاد في قمع عدوّه ومقاتلته ، وظاهر الكلام العموم ، والمراد الخصوص ؛ لأنّ الذين قالوا لنبيّهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ؛ كانوا في ديارهم وأوطانهم ، وإنّما أخرج من أسر منهم ، ومعنى الآية أنهم قالوا مجيبين لنبيّهم : إنما كنا نزهد في الجهاد إذ كنا ممنوعين في بلادنا ، لا يظهر علينا عدوّ ، فأمّا إذ بلغ ذلك منّا ، فنطيع ربّنا في الجهاد ، ونمنع نساءنا ، وأولادنا ، (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا) : أعرضوا عن الجهاد ، وضيّعوا أمر الله (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ـ وهم الذين عبروا النّهر مع طالوت ، واقتصروا على الغرفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قيل (٢) : كان عدد هذا القليل ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر.
قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢٤٧)
قوله تعالى : (طالُوتَ مَلِكاً) : «ملكا» حال من «طالوت» فالعامل في الحال «بعث». و «طالوت» فيه قولان :
أظهرهما : أنه اسم أعجميّ فلذلك لم ينصرف للعلتين ، أعني : العلمية والعجمة الشّخصية.
والثاني : أنه مشتقّ من الطول ، ووزنه فعلوت كرهبوت ورحموت ، وأصله طولوت ، فقلبت الواو ألفا ؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وكأن الحامل لهذا القائل بهذا القول ما روي في القصّة أنه كان أطول رجل في زمانه وبقوله (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) إلا أنّ هذا القول مردود بأن لو كان مشتقا من الطّول ، لكان ينبغي أن ينصرف ، إذ ليس فيه إلّا العلمية. وقد أجابوا عن هذا بأنه وإن لم يكن أعجميا لكنّه شبيه بالأعجمي ، من حيث إنّه
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٤٧.