أحدها : أنّه واسع الفضل ، والرّزق ، والرّحمة ، وسعت رحمته كلّ شيء ، والتّقدير : أنتم طعنتم في طالوت ، لكونه فقيرا ، فالله تعالى واسع الفضل ، يفتح عليه أبواب الرّزق ، والسّعة ، كما في المال ؛ لأنه فوّض إليه الملك ، والملك لا يتمشّى إلّا بالمال.
والثاني ، والثالث : ما تقدّم في الإعراب آنفا من كونه بمعنى : «موسع» وذو سعة ، والعليم العالم وقيل : العالم بما كان ، والعليم بما يكون.
قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٢٤٨)
اعلم أنّه لما أخبرهم نبيهم : بأنّ الله تعالى ، بعث لهم طالوت ملكا ، وأبطل حجّتهم قالوا : «فما آية ملكه»؟ قال : (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ).
قوله تعالى : (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) : «أن» ، وما في حيّزها في محلّ رفع خبر ل «إنّ» تقديره : إنّ علامة ملكه إيتاؤكم التّابوت.
وفي «التّابوت» ، قولان :
أحدهما : أنه فاعول ، ولا يعرف له اشتقاق ، ومنع قائل هذا أن يكون وزنه فعلوتا مشتقا من تاب يتوب كملكوت من الملك ورهبوت من الرّهب ، قال : لأنّ المعنى لا يساعد على ذلك.
الثاني : أن وزنه فعلوت كملكوت ، وجعله مشتقا من التّوب وهو الرّجوع ، وجعل معناه صحيحا فيه ، لأنّ التّابوت هو الصّندوق الذي توضع فيه الأشياء ، فيرجع إليه صاحبه عند احتياجه إليه ، فقد جعلنا فيه معنى الرجوع.
والمشهور أن يوقف على تائه بتاء من غير إبدالها هاء ؛ لأنّها : إمّا أصل إن كان وزنه فاعولا ، وإمّا زائدة لغير التّأنيث كملكوت ، ومنهم من يقلبها هاء ، وقد قرئ بها شاذّا ، قرأها أبيّ (١) ، وزيد بن ثابت ، وهي لغة الأنصار ، ويحكى أنهم لمّا كتبوا المصاحف زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ اختلفوا فيه فقال زيد : «بالهاء» ، وقال : [أبيّ :] «بالتّاء» ، فجاءوا عثمان فقال : «اكتبوه على لغة قريش» يعني بالتّاء.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٢٦) والحاكم (٢ / ٤٦٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وأبي عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق أبي الأحوص عن علي بن أبي طالب.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وأخرجه الطبري (٥ / ٣٢٧) من طريق خالد بن عرعرة عن علي وأخرجه الطبري أيضا (٥ / ٣٢٦) وسفيان بن عيينة كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٢) من طريق سلمة بن كهيل عن علي بن أبي طالب.