التّابوت صيحة ؛ استيقنوا النّصر ، فلمّا عصوا ، وفسدوا سلّط الله عليهم العمالقة ، فغلبوهم على التّابوت وسلبوه ، فلمّا سألوا نبيّهم البيّنة على ملك طالوت ؛ قال لهم النّبيّ : «إنّ آية ملكه» أنكم تجدون التّابوت في داره ، ثمّ إنّ الكفّار حين سلبوا التّابوت ؛ جعلوه في موضع البول والغائط ، فدعا نبيّ ذلك الوقت عليهم ، فسلّط الله عليهم البلاء حتى كل من بال ، أو تغوّط ابتلاه الله بالبواسير ، فعلم الكفّار أن ذلك سبب استخفافهم بالتّابوت ، فأخرجوه ووضعوه على ثورين ، فأقبل الثّوران يسيران ، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما ، حتى أتوا منزل طالوت ، ثمّ إنّ قوم ذلك النّبيّ رأوا التّابوت عند طالوت ، فعلموا أنّ ذلك دليل على كونه ملكا لهم.
وقيل : إنّ التّابوت صندوق كان موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يضع التوراة فيه ، وكان من خشب يعرفونه ، ثم إنّ الله ـ تعالى ـ رفعه لمّا قبض موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لسخطه على بني إسرائيل ، ثمّ قال نبيّ أولئك القوم : إنّ آية ملك طالوت أن يأتيكم التّابوت من السّماء ، والملائكة يحفظونه ، والقوم كانوا ينظرون إليه ؛ حتّى نزل عند طالوت ، وهذا قول ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين ، لأنّ من حفظ شيئا في الطّريق ؛ جاز أن يوصف بأنه حمل ذلك الشيء ، وإن لم يحمله ، كقول القائل : حملت الأمتعة إلى زيد ، إذا حفظها في الطّريق ، وإن كان الحامل غيره.
الثاني : ألا يكون التّابوت معجزا ، بل يكون المعجز فيه بأن يشاهدوا التّابوت خاليا ، ثمّ إنّ ذلك النّبيّ يضعه بمحضر من القوم في بيت ، ويغلقون البيت عليه ، ثمّ يدعي ذلك النّبي أنّ الله تعالى يخلق فيه ما يدلّ على ما وصفنا ، فإن فتحوا باب البيت ، ونظروا في التّابوت ؛ رأوا فيه كتابا يدلّ على أنّ ملكهم هو طالوت ، وأنّ الله ينصرهم على عدوّهم ، فهذا يكون معجزا قاطعا دالا على أنّه من عند الله ، ولفظ القرآن محتمل للوجهين.
فصل في المراد بالسكينة
اختلفوا في السّكينة : قال عليّ ـ رضي الله عنه ـ : هي ريح تخرج ، أي : شديدة هفّافة لها رأسان ، ووجه كوجه الإنسان (١).
وقال ابن عبّاس ، ومجاهد : هي صورة من زبرجد وياقوت لها رأس كرأس الهرّ وذنب كذنبه ، ولها جناحان ، وقيل : لها عينان لهما شعاع ، وكانوا إذا سمعوا صوتها تيقنوا بالنّصر ، وكانوا إذا خرجوا ، وضعوا التّابوت قدّامهم ، فإذا سار ساروا ، وإذا وقف وقفوا (٢).
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٢) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٢٧) عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٢٨) عن ابن عباس.