والمعنى : أنّ بسبب هذا التّابوت ينتظم ما بقي من دينهما ، وشريعتيهما.
وقيل : كان فيه لوحان من التّوراة ، ورضاض الألواح الّتي تكسّرت ، وعصا موسى ونعلاه ، وثيابه ، وعمامة هارون وعصاه ، وقفيز من المنّ الذي كان ينزل على بني إسرائيل ، واختلفوا في الآل على قولين (١) :
أحدهما : المراد موسى ، وهارون نفسهما كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأبي موسى الأشعريّ : «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» (٢) وأراد به داود نفسه ؛ لأنه لم يكن لأحد من آل داود من الصّوت الحسن مثل ما كان لداود.
الثاني : قال القفّال : إنّما أضيف ذلك إلى آل موسى وآل هارون ؛ لأنّ ذلك التّابوت تداولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت ، وما في التّابوت توارثه العلماء عن أتباع موسى وهارون ، فيكون الآل : هم الأتباع قال تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦].
قوله : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) هذه الجملة تحتمل أن يكون لها محلّ من الإعراب على أنها حال من التّابوت أي : محمولا للملائكة وألّا يكون لها محلّ لأنها مستأنفة ، إذ هي جواب سؤال مقدّر كأنه قيل : كيف يأتي؟ فقيل : تحمله الملائكة.
وقرأ مجاهد (٣) «يحمله» بالياء من أسفل ؛ لأنّ الفعل مسند لجمع تكسير ، فيجوز في فعله الوجهان. و «ذلك» مشار به قيل : إلى التّابوت. وقيل : إلى إتيانه ، وهو الأحسن ليناسب آخر الآية أولها [و «إن»] الأظهر فيها [أنها] على بابها من كونها شرطية وجوابها محذوف. وقيل : هي بمعنى «إذ» فإنّ هذه الآية معجزة باهرة للمؤمنين.
قال ابن عبّاس : إنّ التّابوت ، وعصا موسى في بحيرة طبرية وإنهما يخرجان قبل يوم القيامة(٤).
من النّاس من قال : إن طالوت كان نبيّا ؛ لأن الله تعالى أظهر المعجزة على يديه ، ومن كان كذلك كان نبيّا.
فإن قيل : هذه من باب الكرامات ، قلنا : الفرق بين الكرامة والمعجزة : أنّ الكرامة لا تكون على سبب التّحدّي ؛ فتكون معجزة ، وقد يجاب بأن ذلك معجزة لنبيّ ذلك الزّمان وأنه آية قاطعة في ثبوت ملك طالوت.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٥١.
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٧١٠) كتاب فضائل القرآن باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن (٥٠٤٨) ومسلم (١ / ٥٤٦) صلاة المسافرين باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن (٢٣٥ / ٧٩٣).
(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٢٧٢ ، والدر المصون ١ / ٦٠٤.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٢٢) رقم (٥٦٦٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما.