الأردن وفلسطين (١) قال القاضي (٢) : والتوفيق بين القولين : أنّ النّهر الممتد من بلد إلى بلد قد يضاف إلى أحد البلدين. وروى الزّمخشريّ أنّ الوقت كان قيظا ، فسلكوا مفازة فسألوا أن يجري الله لهم نهرا ، فقال : إنّ الله مبتليكم بما اقترحتموه من النّهر.
قوله : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ) منصوب على الاستثناء ، وفي المستثنى منه وجهان :
الصّحيح أنّه الجملة الأولى ، وهي : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) ، والجملة الثانية معترضة بين المستثنى والمستثنى منه وأصلها التّأخير ، وإنّما قدّمت ، لأنها تدلّ عليها الأولى بطريق المفهوم ، فإنّه لمّا قال تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) ، فهم منه أنّ من لم يشرب فإنّه منه ، فلمّا كانت مدلولا عليها بالمفهوم ، صار الفصل بها كلا فصل.
وقال الزمخشريّ : والجملة الثّانية في حكم المتأخّرة ، إلّا أنّها قدّمت للعناية ، كما قدّم «والصّابئون» في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة : ٦٩].
والثاني : أنّه مستثنى من الجملة الثّانية ، وإليه ذهب أبو البقاء (٣). قال شهاب الدين : وهذا غير سديد لأنه يؤدّي إلى أنّ المعنى : ومن لم يطعمه فإنّه منّي ، إلّا من اغترف غرفة بيده ؛ فإنه ليس مني ، لأنّ الاستثناء من النّفي إثبات ، ومن الإثبات نفي ، كما هو الصّحيح ، ولكن هذا فاسد في المعنى ؛ لأنهم مفسوح لهم في الاغتراف غرفة واحدة.
والاستثناء إذا تعقّب الجمل ، وصلح عوده على كلّ منها هل يختصّ بالأخيرة ، أم لا؟
خلاف مشهور ، فإن دلّ دليل على اختصاصه بإحدى الجمل عمل به ، والآية من هذا القبيل ، فإنّ المعنى يعود إلى عوده إلى الجملة الأولى ، لا الثّانية لما قرّرناه.
وقرأ الحرميّان (٤) وأبو عمرو : «غرفة» بفتح الغين وكذلك يعقوب وخلف. والباقون بضمها. فقيل : هما بمعنى المصدر ، إلّا أنهما جاءا على غير الصّدر كنبات من أنبت ، ولو جاء على الصّدر لقيل : اغترافا. وقيل : هما بمعنى المغترف كالأكل بمعنى المأكول.
وقيل : المفتوح مصدر قصد به الدّلالة على الوحدة ، فإنّ «فعلة» يدلّ على المرّة الواحدة ، ومثله الأكلة يقال فلان يأكل بالنهار أكلة واحدة والمضموم بمعنى المفعول ، فحيث جعلتهما مصدرا فالمفعول [محذوف ، تقديره : إلّا من اغترف ماء ، وحيث جعلتهما بمعنى المفعول] كانا مفعولا به ، فلا يحتاج إلى تقدير مفعول.
ويدل على الشّيء القليل الّذي يحصل بالكفّ كاللّقمة والحسوة والخطوة بالضم ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٤٠) عن قتادة والربيع.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٥٣.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٤.
(٤) انظر : السبعة ١٨٧ ، والحجة ٢ / ٣٥٠ ، ٣٥١ ، وحجة القراءات ١٤٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١١٣ ، وشرح شعلة ٢٩٤ ، والعنوان ٧٤ ، وإتحاف ١ / ٤٤٥.