أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (١). وهؤلاء المؤمنون ، لما وطّنوا أنفسهم على القتل ، وغلب على ظنهم أنّهم يموتون وصفهم بأنهم يظنون أنهم ملاقوا ثواب الله.
وثانيها : قال أبو مسلم (٢) : معناه يظنون أنّهم ملاقو ثواب الله بسبب هذه الطاعة ، وذلك لأنّ أحدا لا يعلم بما فيه عاقبة أمره وإنّما يكون ظانا راجيا وإن بلغ في طاعة الله ما بلغ.
وثالثها : أنّهم ذكروا في تفسير السّكينة قول بعض المفسّرين : إنّ التّابوت كان فيه كتب إلهيّة ، نزلت على الأنبياء المتقدّمين دالّة على حصول النّصر ، والظّفر لطالوت ، وجنوده ولكنه لم يكن في تلك الكتب أنّ النّصر والظّفر يحصل في المرة الأولى ، أو بعدها ، فهم وإن كانوا قاطعين بالنصر ولكنهم ظنّوا : هل هو في تلك المرّة ، أو بعدها؟!
رابعها : قال كثير من المفسرين : يظنون : أي يعلمون ، فأطلق الظن وأراد به العلم كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ٤٦] ووجه المجاز ما بين الظن واليقين من المشابهة في تأكيد الاعتقاد.
والمراد من قولهم : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) تقوية قلوب الّذين قالوا : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) ، والمعنى : لا عبرة بكثرة العدد ، وإنّما العبرة بالتّأييد الإلهي ، ثم قال : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ). وهذا من تمام قولهم ، ويحتمل أن يكون قولا من الله تعالى ، والأوّل أظهر.
قوله تعالى : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٢٥٠)
قوله تعالى : (بَرَزُوا لِجالُوتَ) في هذه اللام وجهان :
أحدهما : أنّها تتعلّق ب «برزوا».
والثاني : أنها تتعلّق بمحذوف على أنّها ومجرورها حال من فاعل : «برزوا» قال أبو البقاء : «ويجوز أن تكون حالا أي : برزوا قاصدين لجالوت». ومعنى برزوا : صاروا إلى براز من الأرض ، وهو ما انكشف منها واستوى ، وسميت المبارزة لظهور كلّ قرن
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ١٩١) كتاب الرقاق باب من أحب لقاء الله .. رقم (٦٥٠٧) ومسلم الذكر والدعاء (١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨) والترمذي رقم (١٠٦٦ ، ١٠٦٧ ، ١٠٦٨ ، ٢٣٠٩) والنسائي (٤ / ٩ ، ١٠) وابن ماجه (٤٢٦٤) وأحمد (٢ / ٣١٣ ، ٣٤٦ ، ٤٢٠) ، (٣ / ١٠٧) والدارمي (١ / ٣٤٥ ، ٢ / ٣١٢) وعبد الرزاق (٦٧٤٨) والطبراني في «الكبير» (١٩ / ٣٩١) والبغوي في «شرح السنة» (٥ / ٢٦٣) والخطيب (٦ / ٢٧٢) والحميدي في «مسنده» (٢٢٥).
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٥٦.