والجواب عما (١) قاله القاضي من وجهين :
الأول : أنّا بيّنّا أنّ الصّبر عبارة عن القصد إلى السكون والثبات عبارة عن السكون وهو الذي أراده العبد من الله ـ تعالى ـ ، وأنتم تصرفون الكلام عن ظاهره ، وتحملونه على أسباب الصّبر ، وترك الظّاهر لغير دليل لا يجوز.
الثاني : أنّ هذه الأسباب التي سلمتم أنّها بفعل الله تعالى إذا حصلت ووجدت فهل لها أثر في التّرجيح الدّاعي ، أو ليس لها أثر فيه؟ وإن لم يكن لها أثر فيه لم يكن لطلبها من الله تعالى فائدة ، وإن كان لها أثر في التّرجيح ؛ فعند صدور هذه الأسباب المرجحة يحصل الرجحان ، وعند حصول الرّجحان ، يمتنع الطّرف المرجوح ، فيجب حصول الطّرف الرّاجح ، لأنه لا خروج عن طرفي النقيض وهو المطلوب.
قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ)(٢٥١)
«الهزم» : أصله الكسر ، يقال «سقاء متهزّم» إذا انشق و «قصب متهزّم» ، أي متكسّر.
والهزمة : نقرة في الجبل ، أو في الصّخرة. قال سفيان بن عيينة في زمزم : وهي هزمة جبريل ، يريد هزمها برجله فخرج الماء. ويقال : سمعت هزيمة الرعد كأنّه صوت تشقّق. ويقال للسّحاب هزيم ؛ لأنّه ينشق بالمطر.
قوله : (بِإِذْنِ اللهِ) فيه الوجهان المتقدّمان أعني كونه حالا ، أو مفعولا به.
فصل
أخبر تعالى أنّ تلك الهزيمة كانت بإذن الله تعالى وإعانته وتيسيره ، ثم قال : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ).
قال القرطبيّ (٢) : وكان جالوت رأس العمالقة وملكهم ، ظلّه ميل ويقال : إنّ البربر من نسله.
قال ابن عبّاس : إنّ داود ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كان راعيا ، له سبعة إخوة مع طالوت ، فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم «إيشا» ؛ أرسل إليهم داود ليأتيه بخبرهم ، فأتاهم وهم في المصاف وبدر جالوت الجياد إلى البراز ، وكان من قوم عاد ، فقال داود لإخوته : أما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف؟ فسكتوا فذهب إلى ناحية أخرى من الصف ليس فيها إخوته فمر به طالوت ، وهو يحرض الناس.
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٦٧.