غير متفضّل عليه ، حيث لم يبلغه مقاصده وطلبه ، فاستدرك عليه [أنّه] وإن لم يبلغ مقاصده أنّ الله متفضّل عليه ، ومحسن إليه ؛ لأنه مندرج تحت العالمين ، وما من أحد إلّا ولله عليه فضل ، وله فضل الاختراع [والإيجاد].
و «على» يتعلّق ب «فضل» ؛ لأنّ فعله يتعدّى بها ، وربّما حذفت مع تخفيف الفعل ؛ وقد جمع [بين] الحذف والإثبات في قوله : [الوافر]
١١٧١ ـ وجدنا نهشلا فضلت فقيما |
|
كفضل ابن المخاض على الفصيل (١) |
أمّا إذا ضعّف ، فإنه لا تحذف «على» أصلا كقوله : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) ، ويجوز أن تتعلّق «على» بمحذوف لوقوعها صفة لفضل.
قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)(٢٥٢)
قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ) : مبتدأ وخبر ، و «نتلوها» فيه قولان :
أحدهما : أن تكون حالا ، والعامل فيها معنى الإشارة.
والثاني : أن تكون مستأنفة فلا محلّ لها. ويجوز غير ذلك ، وهو يؤخذ مما تقدم.
قال القرطبيّ (٢) : وإن شئت كان «آيات الله» بدلا ، والخبر نتلوها عليك بالحقّ وأشير إليها إشارة البعيد لما بينا في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ٢] أن «تلك» و «ذلك» يرجع إلى معنى هذه ، وهذا ، وأيضا فهذه القصص لما ذكرت صارت بعد ذكرها كالشّيء الذي انقضى ، ومضى ، فكانت في حكم الغائب ، فلهذا التأويل قال : «تلك» وأشير إليها إشارة البعيد لما تقدّم في قوله : «ذلك الكتاب». قوله : «بالحقّ» يجوز فيه أن يكون حالا من مفعول «نتلوها» ، أي : ملتبسة بالحقّ ، أو من فاعله ؛ أي : نتلوها ومعنا الحقّ ، أو من مجرور «عليك» ، أي : ملتبسا بالحقّ.
قوله : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ). قال القرطبيّ (٣) : خبر إن أي : وإنك لمرسل.
فصل
اعلم أنّه أشار بقوله : «تلك» إلى القضيّة المذكورة من نزول التّابوت ، وغلب الجبابرة على يد داود ، وهو صبيّ فقير. ولا شكّ أنّ هذه الأحوال آيات باهرة دالّة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته ، وفي معنى قوله : «بالحقّ» وجوه :
أحدها : أنّ المراد : أن تعتبر بها يا محمّد أنت ، وأمتك في احتمال الشّدائد في الجهاد ، كما احتملها المؤمنون ، فيما مضى ، وقال «نتلوها» ، أي : يتلوها جبريل ، وأضاف ذلك إليه تشريفا له كقوله : (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ورسوله [الفتح : ١٠].
__________________
(١) تقدم برقم ٤٦١.
(٢) ينظر تفسير القرطبي ٣ / ١٧٠.
(٣) ينظر : المصدر السابق.