واعلم أنّ مثل هذا لا يمكن نسبته إلى موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فإن كلّ من جوّز النّوم على الله ـ تعالى ـ أو كان شاكا في جوازه كفر ، فكيف يجوز نسبة هذا إلى موسى ـ عليهالسلام ـ فإن صحّت هذه الرواية فالواجب نسبة هذا السّؤال إلى جهال قومه.
قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هي كالتي قبلها إلّا في كونها تأكيدا ، و «ما» للشّمول ، واللّام في «له» للملك ، وكرّر «ما» تأكيدا ، وذكرها هنا المظروف دون الظرف ؛ لأنّ المقصود نفي الإلهيّة عن غير الله تعالى ، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلّا هو ، لأنّ ما عبد من دونه في السّماء كالشّمس ، والقمر ، والنجوم أو في الأرض كالأصنام وبعض بني آدم ، فكلّهم ملكه تعالى تحت قهره ، واستغنى عن ذكر أنّ السّموات ، والأرض ملك له بذكره قبل ذلك أنه خالق السّموات والأرض.
فصل
لما كان المراد من هذه الإضافة الخلق ، والملك ، احتجوا بهذه الآية الكريمة على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
قالوا : لأنّ قوله تعالى (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يتناول كل ما في السموات والأرض ، وأفعال العباد من جملة ما في السّموات والأرض ، فوجب أن تكون منتسبة إلى الله تعالى انتساب الملك والخلق.
فإن قيل : لم قال (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ولم يقل من في السموات.
فالجواب : لما كان المراد إضافة كلّ ما سواه إليه بالمخلوقيّة ، وكان الغالب عليه ما لا يعقل ، أجرى الغالب مجرى الكلّ ، فعبر عنه بلفظة «ما» ، وأيضا فهذه الأشياء إنّما أسندت إليه من حيث إنّها مخلوقة ، وهي غير عاقلة ، فعبر عنه بلفظ «ما» للتنبيه على أنّ المراد من هذه الإضافة إليه الإضافة من هذه الجهة.
قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) كقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) [البقرة : ٢٤٥].
قال القرطبيّ (١) : «من» رفع بالابتداء ، و «ذا» خبره ، و «الّذي» نعت ل «ذا» ، أو بدل ولا يجوز أن تكون «ذا» زائدة كما زيدت مع «ما» ؛ لأنّ «ما» مبهمة ، فزيدت «ذا» معها لشبهها بها.
و «من» ، وإن كان لفظها استفهاما فمعناه النّفي ، ولذلك دخلت «إلّا» في قوله (إِلَّا بِإِذْنِهِ).
و «عنده» فيه وجهان :
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٧٨.