يقبل الناس أيضا أيدي ملوكهم ، وكذلك ما ذكر في محاسبة العباد يوم القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشّهداء ، ووضع الميزان ، فعلى هذا القياس أثبت لنفسه العرش في قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] ووصف العرش بقوله : «وكان عرشه على الماء» ثم قال : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر : ٧٥] ثم قال : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [الحاقة : ١٧] وقال : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [غافر : ٧] ، وكذلك إثبات الكرسيّ.
وقال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله ـ : وهذا جواب مبيّن إلّا أنّ المعتمد هو الأوّل ، وأنّ ترك الظّاهر بغير دليل لا يجوز.
قوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) يقال : آده كذا ، أي : أثقله ، ولحقه منه مشقّة ؛ قال القائل : [الطويل]
١١٨٢ ـ ألا ما لسلمى اليوم بتّ جديدها |
|
وضنّت وما كان النّوال يؤودها (٢) |
أي : يثقلها ، ومنه الموءودة للبنت تدفن حيّة ، لأنّهم يثقلونها بالتّراب. وقرئ (٣) : «يوده» بحذف الهمزة ، كما تحذف همزة «أناس» ، وقرئ «يووده» بإبدال الهمزة واوا.
و «حفظ» : مصدر مضاف لمفعوله ، أي : لا يئوده أن يحفظهما.
و «العليّ» أصله : «عليو» ، فأدغم ؛ نحو : ميّت ؛ لأنّه من علا يعلو ؛ قال القائل في ذلك البيت : [الطويل]
١١٨٣ ـ فلمّا علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر (٤) |
فصل في المراد بالعلو
والمراد بالعلو علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن التحيز والعلي والعالي القاهر الغالب للأشياء تقول العرب : علا فلان فلانا أي غلبه وقهره ؛ قال الشاعر: [الطويل]
__________________
ـ «العلل» (٢ / ٥٧٥) بلفظ الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده. وقال ابن الجوزي هذا حديث لا يصح ، وإسحاق بن بشر ـ أحد رواة الحديث ـ قد كذبه أبو بكر بن أبي شيبة وغيره وقال الدارقطني هو في عداد من يضع الحديث.
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٢.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٢٨١ ، الدر المصون ١ / ٦١٥.
(٣) انظر : البحر المحيط ٢ / ٢٩٠ ، والدر المصون ١ / ٦١٥ ، وقال ابن عطية ١ / ٣٤٢ : وروي عن الزهري وأبي جعفر والأعرج بخلاف عنهم تخفيف الهمزة التي على الواو الأولى ، وجعلوها بين بين لا تخلص واوا مضمومة ولا همزة محققة كما قيل في لؤم : لوم.
(٤) تقدم برقم ٣٤٧.