وعيالا فرحمته ، وخلّيت سبيله قال : «أمّا إنّه قد كذبك ، وسيعود» فعرفت أنه سيعود ؛ لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنه سيعود فرصدته الثالثة : فجاء يحثو من الطّعام ؛ فأخذته ، فقلت لأرفعنّك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهذا آخر ثلاث مرات أنّك تزعم ألّا تعود ، ثم تعود قال : دعني أعلّمك كلمات ، ينفعك الله بها ، قلت : ما هي قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسيّ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآية ، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان ، حتّى تصبح ، فخلّيت سبيله فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما فعلت بأسيرك البارحة؟ قلت : يا رسول الله ـ عليك الصّلاة والسّلام ـ زعم أنّه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخلّيت سبيله ـ قال : ما هي قلت : قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ من أولها ، حتى تتمّ الآية ، وقال لي لا يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان ، حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم «أما إنّه قد صدقك ، وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟» قلت : لا ، قال : «ذلك شيطان» (١).
قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢٥٦)
قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) : كقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] وقد تقدّم. وأل في «الدّين» للعهد ، وقيل : عوض من الإضافة أي «في دين الله» لقوله تعالى (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ، أي : تأوي.
والجمهور على إدغام دال «قد» في تاء «تبيّن» ؛ لأنّها من مخرجها.
والرّشد : مصدر رشد بفتح العين يرشد بضمّها ، ومعناه في اللّغة ، إصابة الخير. وقرأ (٢) الحسن «الرّشد» بضمتين كالعنق ، فيجوز أن يكون هذا أصله ، ويجوز أن يكون إتباعا ، وهي مسألة خلاف أعني ضمّ عين الفعل. وقرأ (٣) أبو عبد الرحمن الرّشد بفتح الفاء والعين ، وهو مصدر رشد بكسر العين يرشد بفتحها ، وروي عن أبي عبد الرّحمن أيضا : «الرّشاد» بالألف.
ومعنى الإكراه نسبتهم إلى كراهة الإسلام. قال الزّجّاج : «لا تنسبوا إلى الكراهة من أسلم مكرها» ، يقال : «أكفره» نسبه إلى الكفر ؛ قال : [الطويل]
__________________
(١) أخرجه البخاري (٣ / ٢٠٤) كتاب الوكالة باب إذا وكل رجل ... الخ رقم (٢٣١١) ، (٤ / ٢٥٠) كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده رقم (٣٢٧٥) ، (٦ / ٣٢٣) كتاب فضائل القرآن باب فضل سورة البقرة رقم (٣٢٧٥).
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٤ ، البحر المحيط ٢ / ٢٩٢ ، الدر المصون ١ / ٦١٧.
(٣) ونسبها ابن عطية ١ / ٣٤٤ إلى الحسن والشعبي ومجاهد.