١١٨٦ ـ وطائفة قد أكفروني بحبّهم |
|
وطائفة قالوا مسي ومذنب (١) |
قوله «من الغيّ» متعلّق بتبيّن ، و «من» للفصل ، والتمييز كقولك : ميّزت هذا من ذاك. وقال أبو البقاء (٢) : «في موضع نصب على أنّه مفعول» وليس بظاهر ؛ لأنّ معنى كونه مفعولا به غير لائق بهذا المحلّ. ولا محلّ لهذه الجملة من الإعراب ؛ لأنّها استئناف جار مجرى التّعليل لعدم الإكراه في الدين.
والتّبيين : الظهور والوضوح ، بان الشّيء ، واستبان ، وتبّين : إذا ظهر ووضح ومنه المثل : تبيّن الصّبح لذي عينين.
قال ابن الخطيب : وعندي أنّ الإيضاح ، والتعريف ، إنّما سمّي بيانا ؛ لأنّه يوقع الفصلة ، والبينونة بين المقصود وغيره.
والغيّ : مصدر غوى بفتح العين قال : (فَغَوى) [طه : ١٢١] ، ويقال : «غوى الفصيل» إذا بشم ، وإذا جاع أيضا ، فهو من الأضداد. وأصل الغيّ : «غوي» فاجتمعت الياء والواو ، فأدغمت نحو : ميّت وبابه.
والغيّ : نقيض الرّشد : يقال : غوى يغوي ، غيّا ، وغواية إذا سلك خلاف طريق الرّشد.
فصل في معنى «الدّين» في الآية
قال القرطبيّ (٣) : المراد «بالدّين» في هذه الآية الكريمة المعتقد ، والملة بدليل قوله (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
قال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة ، لا يعيش لها ولد ، فكانت تنذر لئن عاش لها ولد لتهودنّه فإذا عاش ولدها جعلته في اليهوديّة. فلمّا جاء الإسلام ، وفيهم منهم ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم عدد من أولاد الأنصار ، فأرادت الأنصار استردادهم ، وقالوا : أبناؤنا وإخواننا ، فنزلت (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قد خيّر الله أصحابكم ، فإن اختاروكم فهم منكم ، وإن اختاروهم ، فأجلوهم معهم»(٤).
وقال مجاهد : كان ناس مسترضعين في اليهود من الأوس ، فلما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بإجلاء بني النّضير قال الذين كانوا مسترضعين فيهم : لنذهبنّ معهم ولندينن بدينهم ،
__________________
(١) البيت للكميت ينظر : البحر ٢ / ٢٩٢ ، الدر المصون ١ / ٦١٦.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٧.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨١.
(٤) أخرجه بهذا اللفظ الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٠٨ ـ ٤٠٩) والبيهقي (٩ / ١٨٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٢) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير.