وأجاب من ادّعى التّذكير عن هذا الاستدلال بأنّه إنما أنّث هنا ؛ لإرادة الآلهة وقال آخرون (١) : ويكون مذكرا ، ومؤنثا ، وواحدا وجمعا قال تعالى في المذكر والواحد : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) [النساء : ٦٠] وقال في المؤنث : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) [الزمر : ١٧] وقال في الجمع : (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ). واشتقاقه من طغى يطغى ، أو من طغا يطغو ، على حسب ما تقدّم أول السورة ، هل هو من ذوات الواو أو من ذوات الياء؟ وعلى كلا التّقديرين ، فأصله طغيوت ، أو طغووت لقولهم : «طغيان» في معناه ، فقلبت الكلمة بأن قدّمت اللّام وأخّرت العين ، فتحرّك حرف العلّة ، وانفتح ما قبله فقلب ألفا ، فوزنه الآن فلعوت ، وقيل : تاؤه ليست زائدة ، وإنّما هي بدل من لام الكلمة ، ووزنه فاعول من الطّغيان كقولهم «حانوت» ، و «تابوت» ، والتاء فيهما مبدلة من «ها» التأنيث.
قال مكي (٢) «وقد يجوز أن يكون أصل لامه واوا ، فيكون أصله طغووتا ؛ لأنه يقال : طغى يطغى ويطغو ، وطغيت وطغوت ، ومثله في القلب والاعتلال ، والوزن : حانوت ؛ لأنّه من حنا يحنو وأصله حنووت ، ثم قلب وأعلّ ، ولا يجوز أن يكون من : حان يحين لقولهم في الجمع حوانيت» انتهى قال شهاب الدين : كأنّه لمّا رأى أنّ الواو قد تبدل تاء كما في تجاه ، وتخمة ، وتراث ، وتكأة ، ادّعى قلب الواو التي هي لام تاء ، وهذا ليس بشيء.
وقدّم ذكر الكفر بالطّاغوت على ذكر الإيمان بالله ـ تعالى ـ اهتماما بوجوب الكفر بالطّاغوت ، وناسبه اتصاله بلفظ «الغيّ».
فصل في المراد بالطاغوت
واختلف في الطّاغوت فقال عمر ، ومجاهد ، وقتادة : هو الشّيطان (٣).
وقال سعيد بن جبير : هو الكاهن (٤). وقال أبو العالية : هو الساحر (٥). وقال بعضهم: الأصنام (٦).
وقيل مردة الجنّ والإنس (٧) ، وكلّ ما يطغى الإنسان (٨).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤١.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ١٠٧.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤١٧) عن عمر ومجاهد وقتادة والشعبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٤) وزاد نسبته للفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤١٨) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٤) عن عكرمة وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤١٧ ـ ٤١٨) عن أبي العالية.
(٦) انظر : تفسير الرازي (٧ / ١٥).
(٧) انظر : المصدر السابق.
(٨) انظر : المصدر السابق.