فصل في سبب النّزول
ظاهر الآية يقتضي أنهم كانوا في الكفر ، ثم أخرجهم الله تعالى من ذلك الكفر إلى الإيمان ، وهاهنا قولان :
الأول : أنّ هذه الآية مختصّة بمن كان كافرا ، ثم أسلم ، وذكر في سبب النّزول روايات :
أحدها : قال مجاهد : نزلت هذه الآية في قوم آمنوا بعيسى ، وقوم كفروا به ، فلما بعث الله سبحانه وتعالى محمدا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ آمن به من كفر بعيسى وكفر به من آمن بعيسى (١).
وثانيتها : أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ على طريقة النّصارى ، ثم آمنوا بعده بمحمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فقد كان إيمانهم بعيسى حين آمنوا به كفرا ، وظلمة ، لأنّ القول بالاتّحاد كفر بالله تعالى ، أخرجهم من تلك الظّلمات إلى نور الإسلام (٢).
وثالثتها : أنها نزلت في كلّ كافر أسلم وآمن بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٣).
القول الثاني : أن يحمل اللّفظ على كلّ من آمن بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سواء كان ذلك الإيمان بعد كفر ، أو لم يكن ؛ لأنه إخراج من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام ؛ لقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران : ١٠٣] ومعلوم أنهم ما كانوا في النار ألبتّة ، وقال في قصّة يوسف عليه الصّلاة والسّلام (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يوسف : ٣٧] ولم يكن فيها قطّ ، وسمع النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنسانا يقول : أشهد ألا إله إلا الله ، فقال : «على الفطرة» ، فلما قال : أشهد أنّ محمدا رسول الله قال : «خرج من النّار» (٤) ، ومعلوم أنه ما كان فيها.
روي أنه عليهالسلام أقبل على أصحابه ، فقال «تتهافتون في النّار تهافت الجراد ، وها أنا آخذ بحجزكم» (٥) ومعلوم أنّهم ما كانوا متهافتين في النّار.
فصل
استدلّ بعض العلماء بهذه الآية على أنّ الغاية تدخل في المغيّا. لقوله تعالى على لسانه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٢٦).
(٢) انظر : «التفسير الكبير» للفخر الرازي (٧ / ١٨).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه أحمد (١ / ٤٠٧) والطبراني في «الكبير» (١٠ / ١١٥) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ١٤٦) والخطيب (٨ / ٢٢٠).
(٥) انظر : تفسير الفخر الرازي (٧ / ١٨).