فإن قيل كيف قال (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) وهم كفار لم يكونوا في نور قطّ.
فالجواب هم اليهود كانوا مؤمنين بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قبل أن يبعث لما يجدون في كتبهم من نعته ، فلما بعث كفروا به.
وقال مقاتل : يعني كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، وسائر رؤوس الضلالة ؛ «يخرجونهم» يدعونهم.
وقيل هو على العموم في حقّ جميع الكفّار ، وقالوا : منعهم إياهم من الدخول فيه إخراج ، كما يقول الرّجل لأبيه أخرجتني من مالك ، ولم يكن فيه ، ولما قدّمنا في التي قبلها.
فصل في دفع شبهة للمعتزلة
احتجت المعتزلة (١) بهذه الآية الكريمة على أنّ الكفر ليس من الله تعالى ، قالوا : لأنه تعالى أضافه إلى الطّاغوت لا إلى نفسه.
وأجيبوا بأنّ إسناد هذا إلى الطّاغوت مجاز بالاتفاق بيننا وبينكم ؛ لأن المراد ب «الطّاغوت» على أظهر الأقوال هو الصّنم ، وإذا كانت هذه الإضافة مجازية بالاتفاق ، خرجت عن أن تكون حجة لكم.
قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) يحتمل أن يرجع ذلك إلى الكفّار فقط ويحتمل أن يرجع إلى الكفّار والطّواغيت معا.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٢٥٨)
تقدّم الكلام في (أَلَمْ تَرَ إِلَى) في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) [البقرة : ٢٤٣] قال القرطبيّ (٢) : وهذه ألف التوقيف ، وفي الكلام معنى التّعجب ، أي : اعجبوا له قال الفرّاء (٣) : «ألم تر» ، بمعنى : هل رأيت الّذي حاجّ إبراهيم ، وهل رأيت الّذي مرّ على قرية؟
وقرأ عليّ (٤) رضي الله عنه : بسكون الرّاء وتقدّم أيضا توجيهها. والهاء في «ربّه» فيها قولان :
أظهرهما : أنها تعود على «إبراهيم».
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٨.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨٤.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٥ ، البحر المحيط ٢ / ٢٩٧ ، الدر المصون ١ / ٦١٨.