وفي قوله : «كالّذي» أربعة أوجه :
أحدها : أنه عطف على المعنى وهو قول عند الكسائي والفرّاء (١) وأبي علي الفارسيّ وأكثر النحويّين ، قالوا : ونظيره من القرآن قوله تعالى : (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) [المؤمنون : ٨٤ ـ ٨٥] ثم قال : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) [المؤمنون : ٨٦ ـ ٨٧]. فهذا عطف على المعنى ؛ لأنّ معناه : لمن السّموات؟! فقيل لله ؛ وقال الشّاعر : [الوافر]
١١٩٣ ـ معاوي ، إنّنا بشر فأسجح |
|
فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٢) |
فحمل على المعنى ، وترك اللفظ ، وتقدير الآية :
هل رأيت كالذي حاجّ إبراهيم ، أو كالذي مرّ على قرية ، هكذا قال مكيّ (٣) ، أمّا العطف على المعنى ، فهو وإن كان موجودا في لسانهم ؛ كقوله : [الطويل]
١١٩٤ ـ تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة |
|
بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد (٤) |
وقول الأخر في هذين البيتين : [الوافر]
١١٩٥ ـ أجدّك لن ترى بثعيلبات |
|
ولا بيدان ناجية ذمولا (٥) |
ولا متدارك واللّيل طفل |
|
ببعض نواشغ الوادي حمولا |
فإنّ معنى الأول : ليس بمكثّر ، ولذلك عطف عليه «ولا بحقلّد» ، ومعنى الثاني : أجدّك لست براء ، ولذلك عطف عليه «ولا متدارك» ، إلا أنهم نصّوا على عدم اقتياسه.
الثاني : أنه منصوب على إضمار فعل ، وإليه نحا الزمخشريّ ، وأبو البقاء (٦) ، قال الزمخشريّ : «أو كالّذي : معناه أو رأيت مثل الّذي» ، فحذف لدلالة «ألم تر» عليه ؛ لأنّ كلتيهما كلمتا تعجّب ، وهو حسن ؛ لأنّ الحذف ثابت كثير ، بخلاف العطف على المعنى.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٠.
(٢) البيت لعقبة أو لعقيبة الأسدي ينظر الإنصاف ١ / ٣٣٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٦٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٣١ ، ٢٩٤ ، وسمط اللآلي ص ١٤٨ ، ١٤٩ ، شرح أبيات سيبويه ص ٣٠٠ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٠ ، والكتاب ١ / ٦٧ ، الأشباه والنظائر ٤ / ٣١٣ ، ابن الحاجب ص ١٦٠ ، رصف المباني ص ١٢٢ ، ١٤٨ ، الشعر والشعراء ١ / ١٠٥ ، مغني اللبيب ٢ / ٤٧٧ ، المقتضب ٢ / ٣٣٨ ، ٤ / ١١٢ ، ٣٧١ ، اللسان غمز.
(٣) ينظر : المشكل لمكي ١ / ١٠٨.
(٤) ينظر ديوان زهير (٢٣٤) ، المغني (٥٨٢) ، اللسان : حقلد ، الدر المصون ١ / ٦٢١.
(٥) البيتان للمرار بن سعيد. ينظران في : مجالس ثعلب ١ / ١٥٩ ، الخزانة ١ / ٢٦٢ ، الطبري ١ / ٤٤٣ ، معاني الفراء ١ / ١٧١ ، الدر المصون ١ / ٦٢١.
(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.