تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) ، وأنّ الأنظار الثلاثة منسوقة بعضها على بعض ، فصل بينها بهذا الجارّ ؛ لأنّ النظر الثالث من تمام الثاني ، فلذلك لم تجعل هذه العلة فاصلة معترضة. وهذه اللام لام كي ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» وهي وما بعدها من الفعل في محلّ جرّ على ما سبق بيانه غير مرة. و «آية» مفعول ثان ؛ لأنّ الجعل هنا بمعنى : التصيير. و «للنّاس» صفة لآية ، و «أل» في الناس ، قيل : للعهد ، إن عنى بهم بقية قومه ، وقيل : للجنس ، إن عنى بهم جميع بني آدم].
قوله (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ).
أكثر المفسرين على أن المراد بالعظام حماره ، وقال آخرون : أراد بها عظام الرجل نفسه ، قالوا : إنّ الله أحيا رأسه وعينيه ، وكانت بقية بدنه ، عظاما نخرة ، فكان ينظر إلى أجزاء عظام نفسه فرآها تجتمع ، وينضمّ بعضها إلى بعض وكان يرى حماره واقفا كما ربطه حين كان حيّا لم يأكل ، ولم يشرب مائة عام ، وتقدير الكلام على هذا الوجه وانظر إلى عظامك ؛ وهو قول قتادة ، والرّبيع ، وابن زيد ، وضعّف ذلك بوجوه :
منها : أنّ قوله (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) إنما يليق بمن لا يرى أثر التغير في نفسه ، فيظن أنه كان نائما في بعض يوم ، وأمّا من شاهد بعض أجزاء بدنه متفرقة ، وعظامه رميمة نخرة ، فلا يليق به ذلك.
ومنها أنه خاطبه ، وأجاب ، والمجيب ، هو الذي أماته الله ، فإذا كانت الإماتة راجعة إلى كله ، فالمجيب ـ أيضا ـ الذي بعثه الله ، يجب أن يكون جملة الشّخص.
ومنها أنّ قوله ـ تعالى ـ (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) يدلّ على أنّ تلك الجملة أحياها ، وبعثها.
قوله : «كيف» منصوب نصب الأحوال ، والعامل فيها «ننشزها» وصاحب الحال الضمير المنصوب في «ننشزها» ، ولا يعمل في هذا الحال «انظر» إذ الاستفهام له صدر الكلام ، فلا يعمل فيه ما قبله ، هذا هو القول في هذه المسألة ، ونظائرها.
وقال أبو البقاء (١) : «كيف ننشزها» في موضع الحال من «العظام» ، والعامل في «كيف» ننشزها ، ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر» لأنّ هذه جملة استفهام ، والاستفهام لا يقع حالا ، وإنما الذي يقع حالا «كيف» ، ولذلك تبدل منه الحال بإعادة حرف الاستفهام ، نحو : «كيف ضربت زيدا ؛ أقائما أم قاعدا»؟
والذي يقتضيه النظر الصحيح في هذه المسألة ، وأمثالها : أن تكون جملة «كيف ننشزها» بدلا من «العظام» فيكون في محلّ جرّ أو محلّ نصب ، وذلك أنّ «نظر» البصرية
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٠.