بالمعنى ، وهذا من قسم ما اعتبر فيه جانب اللفظ دون المعنى ، نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] وقد تقدّم تحقيقه والله أعلم.
قوله : «ليطمئنّ» اللام لام كي ، فالفعل منصوب بعدها ، بإضمار «أن» ، وهو مبنيّ لاتّصاله بنون التوكيد واللام متعلّقة بمحذوف بعد «لكن» تقديره : ولكن سألتك كيفية الإحياء للاطمئنان ، ولا بدّ من تقدير حذف آخر ، قبل «لكن» ؛ حتّى يصحّ معه الاستدراك ، والتقدير : بلى آمنت ، وما سألت غير مؤمن ، ولكن سألت ليطمئنّ قلبي ليحصل الفرق بين المعلوم بالبرهان وبين المعلوم عيانا.
قال السّدّيّ ، وابن جبير : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بأنّك خليلي «قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي» بالخلّة (١).
والطّمأنينة : السكون ، وهي مصدر «اطمأنّ» بوزن : اقشعرّ ، وهي على غير قياس المصادر ، إذ قياس «اطمأنّ» أن يكون مصدره على الاطمئنان. واختلف في «اطمأنّ» هل هو مقلوب ، أم لا؟ فمذهب سيبويه (٢) ـ رحمهالله ـ أنه مقلوب من «طأمن» ، فالفاء طاء ، والعين همزة ، واللام ميم ، فقدّمت اللام على العين فوزنه : افلعلّ بدليل قولهم : طامنته ، فتطامن. ومذهب الجرمي : أنه غير مقلوب ، وكأنّه يقول : إنّ اطمأنّ وطأمن مادّتان مستقلّتان ، وهو ظاهر كلام أبي البقاء (٣) فإنه قال : والهمزة في «ليطمئنّ» أصل ، ووزنه يفعللّ ، ولذلك جاء (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) [النساء : ١٠٣] مثل : «اقشعررتم». انتهى. فوزنه على الأصل دون القلب ، وهذا غير بعيد ؛ ألا ترى أنّهم في : جبذ ، وجذب ، قالوا : ليس أحدهما مقلوبا من الآخر لاستواء المادّتين في الاستعمال.
ولترجيح كلّ من المذهبين موضع غير هذا.
فصل في الداعي على السؤال
ذكروا في سبب سؤال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وجوها :
أحدها : قال الحسن ، والضحاك ، وقتادة ، وعطاء ، وابن جريج : أنّه رأى جيفة مطروحة على شطّ البحر ، قال ابن جريج (٤) : جيفة حمار ، بساحل البحر وقال عطاء : بحيرة طبريّة ؛ فإذا مدّ البحر أكل منها دوابّ البحر ، وإذا جزر البحر ، جاءت السّباع وأكلت ، وإذا ذهب السباع ، جاءت الطيور ، فأكلت وطارت ، فقال إبراهيم : ربّ أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع ، والطيور ، ودوابّ البحر؟ فقيل : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ، ولكن المطلوب من السؤال (٥) أن يصير العلم الاستدلاليّ ضروريّا.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٨٩).
(٢) ينظر : الكتاب لسيبويه ٢ / ٣٨٠.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٧.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧).