باعتبار ما يترتّب] على شربهما ممّا يصدر من شربها من الأقوال السّيئة ، والأفعال القبيحة.
وإمّا باعتبار ما يترتّب على تعاطيهما من توالي العقاب ، وتضعيفه.
وإمّا باعتبار من يزاولها من لدن كانت عنبا إلى أن شربت ، فقد لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخمر ، ولعن معها عشرة : بائعها ، ومبتاعها وغيرهما ، فناسب ذلك أن يوصف إثمها بالكثرة. وأيضا فإنّ قوله : «إثم» ، مقابل ل «منافع» ، و «منافع» جمع ، فناسب أن توصف مقابلة بمعنى الجمعيّة ، وهو الكثرة. وهذا الذي ينبغي أن يفعله الإنسان في القرآن ، وهو أن يذكر لكلّ قراءة توجيها من غير تعرّض لتضعيف القراءة الأخرى كما فعل بعضهم ، وقد تقدّم فصل صالح من ذلك في قراءتي : «ملك» ، و (مالِكِ) [الفاتحة : ٣].
وقال أبو البقاء (١) : الأحسن القراءة بالباء ، لأنه يقال : إثم كبير وصغير ، ويقال في الفواحش العظام : «الكبائر» ، وفيما دون ذلك «الصّغائر» وقد قرئ بالثّاء وهو جيد في المعنى ؛ لأنّ الكثرة كبر ، والكثير كبير ، كما أنّ الصّغير حقير ويسير.
وقرأ عبد الله (٢) ـ وكذلك هي في مصحفه ـ : «وإثمهما أكثر» بالمثلّثة ، وكذلك الأولى في قراءته ، ومصحفه.
فصل
دلّ قوله تعالى : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) على تحريم الخمر كقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [الأعراف : ٣٣] والإثم يستحق به ؛ فدلّ مجموع الآيتين على التّحريم ، وأيضا فإنّ الإثم قد يراد به العقاب وقد يراد به : ما يستحق به العقاب من الذّنوب ، وأيّهما كان ، فلا يصحّ أن يوصف به إلّا المحرّم.
وأيضا قد قال تعالى (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ، فصرّح برجحان الإثم ، وذلك يوجب التّحريم.
فإن قيل : لا تدلّ الآية على أنّ شرب الخمر حرام ، بل تدلّ على أنّ فيه إثما ، فهب أنّ ذلك الإثم حرام ، فلم قلتم إن شرب الخمر لما حصل فيه ذلك الإثم ؛ وجب أن يكون حراما؟
فالجواب أنّ السّؤال كان واقعا عن مطلق الخمر ، فلمّا بين تعالى أنّ فيه إثما ، كان المراد أنّ ذلك الإثم لازم له على جميع التّقديرات ، فكان شرب الخمر مستلزما لهذه الملازمة المحرّمة ، ومستلزم المحرّم محرّم ؛ فوجب أن يكون الشّرب محرّما.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٣.
(٢) انظر : الشواذ ١٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٩٤ ، والبحر المحيط ٢ / ١٦٧ ، والدر المصون ١ / ٥٣٧.