فعنه جوابان :
أحدهما : أن ما سأله موسى لا يصحّ مع بقاء التكليف ، وما سأله إبراهيم خاصّ يصحّ معه بقاء التكليف.
الثاني : أن الأحوال تختلف ، فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة ، وفي وقت آخر المنع ، فيما لا يتقدّم فيه إذن.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أمر الله تعالى إبراهيم بهذا ، قبل أن يولد ، وقبل أن ينزل عليه الصّحف (١).
فصل في الطير المأخوذة
قال مجاهد ، وعطاء ، وابن جريج (٢) : أخذ طاووسا ، وديكا ، وحمامة ، وغرابا (٣). ونقل عن ابن عباس : ونسرا بدل الحمامة (٤). وقال عطاء الخراساني : بطّة خضراء ، وغرابا أسود ، وحمامة بيضاء ، وديكا أحمر (٥) «فصرهنّ» أي : قطّعهنّ ، ومزقهن ، وقيل أملهنّ على ما تقدّم.
فصل في الحكمة في نوع الطير وعدده
وهاهنا سؤالات :
الأول : ما الحكمة في كونه أمره بأخذ أربعة من الطير ، ولم يأمره بأكثر ، ولا بأقل؟!
الثاني : ما الحكمة في كونها من الطير ، دون غيرها من الحيوان؟!
الثالث : هل كان من حيوان البحر ، ثم الوحش ، والطير وبهم الأنعام؟
الرابع : هل كان الأربعة كلّ واحد مخلوق من غالب عنصر من العناصر الأربعة ، كالطير ، مخلوق من غالب عنصر الهواء ، والسمك مخلوق من غالب عنصر الماء ، وحيوان البرّ مخلوق من غالب عنصر التراب ، وسراج البحر ، والدرّاج التي هي تطير بالليل كلّها نار ، والسّمندل (٦) الذي يعيش في النار فإنهم مخلوقون من غالب عنصر النار.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣ / ١٩٦).
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٩٥) عن مجاهد وابن جريج وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٩٣) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٩٣).
(٥) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٣١٠) ، قال ابن كثير في تفسيره (١ / ٣١٥) : اختلف المفسرون في هذه الأربعة وإن كان لا طائل تحت تعيينها إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن.
(٦) السمندل : بفتح السين والميم وبعد النون الساكنة دال مهملة ولام في آخره ، وسماه الجوهريّ : السندل بغير ميم ، وابن خلكان : السمند بغير لام ، وهو طائر يأكل البيش ؛ وهو نبت بأرض الصين يؤكل وهو