وقيل : لما بيّن تعالى أنّه وليّ المؤمنين ، وأنّ الكفّار أولياؤهم الطاغوت ، بيّن مثل ما ينفق المؤمن في سبيل الله ، وما ينفق الكافر في سبيل الطاغوت.
فصل في سبب نزول الآية
[روي أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن عفّان ، وعبد الرحمن بن عوف](١) ـ رضي الله عنهما ـ ؛ وذلك أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما حثّ الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة «تبوك» ، جاءه عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم ، فقال : يا رسول الله ، كان عندي ثمانية آلاف ، فأمسكت لنفسي ولعيالي أربعة آلاف ، وأربعة آلاف أقرضتها لربّي ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» (٢) وقال عثمان : يا رسول الله ، عليّ جهاز من لا جهاز له ؛ فنزلت هذه فيهما.
وروى البستي عن ابن عمر ، قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ربّ ، زد أمّتي» ؛ فنزلت (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] قال صلىاللهعليهوسلم : «ربّ ، زد أمّتي» فنزلت (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠](٣).
قوله «مثل» مبتدأ ، و «كمثل حبّة» خبره. ولا بدّ من حذف ، حتى يصحّ التشبيه ؛ لأنّ الذين ينفقون لا يشبّهون بنفس الحبة.
واختلف في المحذوف ، فقيل : من الأول ، تقديره : ومثل منفق الذين ، أو نفقة الذين.
وقيل : من الثاني ، تقديره : ومثل الذين ينفقون كزارع حبة ؛ أو من الأول ، والثاني باختلاف التقدير ، أي : مثل الذين ينفقون ، ونفقتهم كمثل حبّة وزارعها.
وهذه الأوجه قد تقدّم تقريرها محررة عند قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [البقرة : ١٧١]. والقول بزيادة الكاف ، أو «مثل» بعيد جدّا ، فلا يلتفت إليه.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٢) وعزاه للبزار وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٣٥ ـ ٣٦) وقال : رواه البزار من طريقين إحداهما متصلة عن أبي هريرة والأخرى عن أبي سلمة مرسلة قال : ولم نسمع أحدا أسنده من حديث عمر بن أبي سلمة إلا طالوت بن عباد ، وفيه عمر بن أبي سلمة وثقه العجلي وأبو خيثمة وابن حبان وضعفه شعبة وغيره وبقية رجالهما ثقات.
(٣) أخرجه ابن حبان (١٦٤٨ ـ موارد) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤ / ٣٦) رقم (٤٢٨٠) من حديث ابن عمر.
وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٥٤٤) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣١٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه.