ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ما من أحد من النّاس أمنّ علينا في صحبته ، ولا ذات يده من ابن أبي قحافة» (١) يريد أكثر إنعاما بماله ، وأيضا فالله تعالى يوصف بأنّه منّان ، أي : منعم ، و «المنّ» أيضا النّقص من الحقّ. قال تبارك وتعالى (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) [القلم : ٣] أي : غير مقطوع وغير ممنوع ؛ ومنه سمي الموت منونا ؛ لأنه ينقص الحياة ، ويقطعها ، ومن هذا الباب : المنّة المذمومة ؛ لأنّها تنقص النّعمة ، وتكدّرها ، والعرب يمتدحون بترك المنّ بالنّعمة قال قائلهم : [الرمل]
١٢١٩ ـ زاد معروفك عندي عظما |
|
أنّه عندك مستور حقير |
تتناساه كأن لم تأته |
|
وهو في العالم مشهود كثير (٢) |
والمنّ : الذي يوزن به ، ويقال في هذا : «منا» مثل : عصا. وتقدّم اشتقاق الأذى.
و «منّا» مفعول ثان ، و «لا أذى» عطف عليه ، وأبعد من جعل «ولا أذّى» مستأنفا ، فجعله من صفات المتصدّق ، كأنّ قال : الذين ينفقون ، ولا يتأذّون بالإنفاق ، فيكون «أذى» اسم لا ، وخبرها محذوف ، أي : ولا أذى حاصل لهم ، فهي جملة منفية في معنى النّهي.
قال شهاب الدّين : وهذا تكلّف ، وحقّ هذا القائل أن يقرأ «ولا أذى» بالألف غير منوّن ؛ لأنّه مبنيّ على الفتح على مشهور مذهب النّحاة.
فصل في سبب النزول
قال الكلبيّ (٣) : نزلت في عثمان بن عفّان ، وعبد الرّحمن بن عوف.
أمّا عثمان فجهّز جيش العسرة في غزوة «تبوك» ، بألف بعير بأقتابها ، وأحلاسها ، وألف دينار.
قال عبد الرّحمن بن سمرة : جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة ، فصبّها في حجر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فرأيت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يدخل فيها يده الكريمة ويقلبها ، ويقول : «ما ضرّ ابن عفّان ما عمل بعد اليوم». وقال «يا ربّ ؛ عثمان رضيت عنه فارض عنه» (٤) فنزلت هذه الآية الكريمة.
وأمّا عبد الرحمن بن عوف ، فإنّه جاء بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٧ / ٤١).
(٢) ينظر : الرازي ٧ / ٤١.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٩.
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٨٥) رقم (٣٧٠١) والحاكم (٣ / ١٠٢) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٥ / ٢١٥) عن عبد الرحمن بن سمرة.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وأخرجه الترمذي (٥ / ٥٨٤) رقم (٣٧٠٠) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٥ / ٢١٤ ـ ٢١٥) من حديث عبد الرحمن بن خباب.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.