وقوله «مغفرة» : خطاب مع السائل بأن يعذر المسؤل في ذلك الرد ، فإنه ربما لم يقدر على ذلك المطلوب في تلك الحالة ، ثم بين تعالى أن فعل الرجل لهذين الأمرين خير له من صدقة يتبعها أذى ؛ لأنه إذا أعطى ، وأتبع الإعطاء بالأذى ، فقد جمع بين النفقة والإضرار.
وأما القول المعروف ، ففيه نفع بلا ضرر ؛ لأنه يتضمن إيصال السرور إلى قلب المسلم ، فكان خيرا من الأول.
قال بعضهم : الآية الكريمة واردة في التطوع ؛ لأن الواجب لا يحل منعه ولا رد السائل منه ، ويحتمل أن يراد به الواجب ، فإنه قد يعدل به عن سائل إلى سائل ، وعن فقير إلى فقير. ثم قال : «والله غني» عن صدقة العباد ، وإنما أمركم بها ليثيبكم عليها «حليم» لم يتعجل بالعقوبة على من يمن ، ويؤذي بصدقته.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢٦٥)
اعلم أنّه تعالى ، لم ذكر هذين النّوعين من الإنفاق ضرب واحدا منهما مثلا.
قوله : «كالذي» الكاف في محلّ نصب ، فقيل : نعتا لمصدر محذوف ، أي : لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذي ينفق رئاء النّاس ، وقيل : في محلّ نصب على الحال من ضمير المصدر المقدّر كما هو رأي سيبويه (١) ، وقيل : حال من فاعل «تبطلوا» ، أي : لا تبطلوها مشبهين الذي ينفق ماله رياء النّاس.
أحدها : أنه نعت لمصدر محذوف تقديره : إنفاقا رئاء النّاس ، كذا ذكره مكي (٢).
والثاني : أنه مفعول من أجله ، أي : لأجل رئاء النّاس ، واستكمل شروط النّصب.
الثالث : أنه في محلّ حال ، أي : ينفق مرائيا.
والمصدر هنا مضاف للمفعول ، وهو «النّاس» ، ورئاء مصدر راءى كقاتل قتالا ، والأصل : «رئايا» فالهمزة الأولى عين الكلمة ، والثانية بدل من ياء هي لام الكلمة ، لأنها
__________________
(١) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١١٦.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ١٠٣.