فصل في «هل تعطى الصّدقة للأقارب»
قال القرطبي (١) : كره مالك لهذه الآية أن يعطي الرّجل صدقته الواجبة أقاربه ؛ لئلا يعتاض منهم الحمد ، والثّناء ، ويظهر منّته عليهم ، ويكافئوه عليها ، فلا تخلص لوجه الله ـ تعالى ـ واستحبّ أن يعطيها الأجانب ، واستحبّ أيضا أن يولّي غيره تفريقها ، إذا لم يكن الإمام عدلا ؛ لئلا تحبط بالمنّ والأذى ، والشّكر ، والثّناء ، والمكافأة بالخدمة من المعطى بخلاف صدقة التّطّوع السّرّ ؛ لأن ثوابها إذا حبط سلم من الوعيد.
فصل في كيفيّة التّشبيه في الآية
في كيفيّة هذا التّشبيه وجهان :
الأول : ما تقدّم أنّ العمل الظّاهر كالتّراب والمانّ والمؤذي والمنافق كالصّفوان يوم القيامة كالوابل ، هذا على قولنا ، وأما على قول المعتزلة فالمنّ والأذى كالوابل (٢).
الوجه الثاني : قال القفّال (٣) رحمهالله : إنّ أعمال العباد يجازون بها يوم القيامة ، فمن عمل بالإخلاص ، فكأنّه طرح بذرا في الأرض ، فهو ينمو ، ويتضاعف له ، حتى يحصده في وقته ، ويجده وقت حاجته ، والصّفوان محلّ بذر المنافق ، ومعلوم أنّه لا ينمو فيه شيء ، ولا يكون فيه قبول للبذر ، والمعنى أنّ عمل المانّ ، والمؤذي ، والمنافق كالبذر المطروح في تراب قليل على صفوان ، فإذا أصابه مطر بقي مستودع بذره خاليا ، لا شيء فيه ؛ ألا ترى أنّه تعالى : ضرب مثل المخلص بجنّة فوق ربوة؟ والجنّة ما يكون فيها أشجار ونخيل ، فمن أخلص لله ، كان كمن غرس بستانا في ربوة من الأرض ، فهو يجني ثمر غراسه في أوقات حاجته «وهي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها» متضاعفة زائدة.
ثم قال تعالى (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا).
وفيه قولان مبنيّان على ما تقدّم في الإعراب ، فعلى الأوّل لا يقدر أحد من الخلق على ذلك البذر الملقى في ذلك التّراب الّذي كان على ذلك الصّفوان ، لزوال التّراب ، وما فيه من البذر بالمطر ، فلم يقدر أحد على الانتفاع به ، وهذا يقوّي تشبيه القفّال ، وإن عاد الضّمير إلى الّذي ينفق ، فإنما أشير به إلى الجنس والجنس في حكم العامّ ، ثم قال (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
فصل في التّحذير من الرّياء
قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» قالوا يا رسول الله : وما الشّرك الأصغر؟ قال : «الرّياء ، يقول الله لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم اذهبوا
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٠٢.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٤٨.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٤٨.