قال القرطبي (١) : الجنة هي البستان ، وهي قطعة أرض تنبت فيها الأشجار ، حتى تغطيها ، مأخوذة من لفظ الجنّ والجنين ، لاستتارهم.
قوله : «بربوة» في محلّ جرّ ؛ لأنه صفة لجنة. والباء ظرفية بمعنى «في» ، أي : جنة كائنة في ربوة. والربوة : أرض مرتفعة طيبة ، قاله الخليل. وهي مشتقة من : ربا يربو ، أي : ارتفع ، وتفسير السدّيّ لها بما انخفض من الأرض ليس بشيء. ويقال : ربوة ورباوة ، بتثليث الراء فيهما ، ويقال ـ أيضا ـ : رابية ، قال القائل : [الطويل]
١٢٢١ ـ وغيث من الوسميّ حوّ تلاعه |
|
أجابت روابيه النّجاء هواطله (٢) |
وقرأ (٣) ابن عامر ، وعاصم : «ربوة» بالفتح ، والباقون : بالضمّ ، قال الأخفش (٤) : «ونختار الضمّ ؛ لأنه لا يكاد يسمع في الجمع إلا الرّبا» يعني فدلّ ذلك على أن المفرد مضموم الفاء ، نحو برمة ، وبرم ، وصورة ، وصور. وقرأ ابن عباس (٥) : «ربوة» بالكسر ، [والأشهب] العقيلي : «رباوة» ، مثل رسالة ، وأبو جعفر : «رباوة» مثل كراهة ، وقد تقدّم أنّ هذه لغات.
فصل
تقدم أنّ الربوة : هي المرتفع من الأرض ، ومنه الرابية ، لأن أجزاءها ارتفعت ومنه الرّبو إذا أصابه نفس في جوفه زائد ، ومنه الرّبا ؛ لأنه الزيادة قال المفسّرون (٦) : إن البستان إذا كان في ربوة من الأرض ، كان أحسن ، وأكثر ريعا.
قال ابن الخطيب (٧) : وفيه إشكال : وهو أن البستان إذا كان في موضع مرتفع من الأرض ، فلا ترتفع إليه الأنهار ، وتضر به الرياح كثيرا ؛ فلا يحسن ريعه وإذا كان في وهدة من الأرض ، انصبت إليه مياه الأنهار ، ولا يصل إليه إثارة الرياح ، فلا يحسن أيضا ريعه فإذن البستان إنما يحسن ريعه إذا كان على الأرض المستوية التي لا تكون ربوة ، ولا وهدة فإذن ليس المراد من هذه الربوة ، ما ذكروه ، بل المراد منه كون الأرض طينا حرّا بحيث إذا نزل المطر عليها ، انتفخ وربا ونما ، فإن الأرض متى كانت بهذه الصفة يكثر ريعها ، وتكمل أشجارها ، ويؤيد هذا التأويل قوله تبارك تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٠٤.
(٢) البيت لزهير : ينظر ديوانه (١٢٧) ، البحر ٢ / ٣١٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٠.
(٣) انظر : السبعة ١٩٠ ، والكشف ١ / ٣١٣ ، وحجة القراءات ١٤٦ ، والعنوان ٧٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٢٠ ، وشرح شعلة ٢٩٧ ، وإعراب القراءات ١ / ٩٨ ، ٩٩ ، وإتحاف ١ / ٤٥٢.
(٤) ينظر : معاني القرآن للأخفش ١٨٤.
(٥) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٥٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٢٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٠.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥٠.
(٧) ينظر : المصدر السابق.