الخطاب الباعث على فعل الإنفاق الخالص لوجه الله تعالى ، والزاجر عن الرياء والسمعة. وقرأ الزهري (١) : بالياء على الغيبة ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يعود على المنفقين.
والثاني : أن يكون عاما فلا يخصّ المنفقين ، بل يعود على الناس أجمعين ؛ ليندرج فيهم المنفقون اندراجا أوليا.
والمراد من البصير : العليم ، أي : هو تبارك وتعالى عالم بكمية النفقات وكيفيتها والأمور الباعثة عليها ، وأنه تعالى يجازي بها.
قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(٢٦٦)
هذا مثال آخر ذكره الله تعالى في حقّ من يتبع إنفاقه بالمنّ والأذى ، «الودّ» : هو المحبة الكاملة ، والهمزة في «أيودّ» للاستفهام ، وهو بمعنى الإنكار ، وإنما قال : «أيودّ» ، ولم يقل أيريد ؛ لأنا ذكرنا أن المودة هي المحبة التامة ، ومعلوم أن محبة كلّ أحد لعدم هذه الحالة محبة كاملة ، فلهذا ذكر هذا اللفظ في جانب الثبوت ؛ تنبيها على الإنكار التّام ، والنفرة البالغة إلى الحد الذي لا مزيد فوقه.
قوله تعالى : (مِنْ نَخِيلٍ) في محلّ رفع ؛ صفة لجنة ، أي : كائنة من نخيل. و «نخيل» فيه قولان :
أحدهما : أنه اسم جمع.
والثاني : أنه جمع «نخل» الذي هو اسم الجنس ، ونحوه : كلب وكليب ، قال الراغب : «سمّي بذلك ؛ لأنه منخول الأشجار ، وصفيّها ؛ لأنه أكرم ما ينبت» وذكر له منافع وشبها من الآدميين.
والأعناب : جمع عنبة ، ويقال : «عنباء» مثل «سيراء» بالمدّ ، فلا ينصرف. وحيث جاء في القرآن ذكر هذين ، فإنما ينصّ على النخل دون ثمرتها ، وعلى ثمرة الكرم دون الكرم ؛ لأنّ النخل كلّه منافع ، وأعظم منافع الكرم ثمرته دون باقيه.
قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) هذه الجملة في محلّها وجهان :
أحدهما : أنّها في محلّ رفع ؛ صفة لجنة.
والثاني : أنها في محلّ نصب ، وفيه أيضا وجهان ، فقيل : على الحال من «جنّة» ؛ لأنها قد وصفت. وقيل : على أنها خبر [تكون] نقله مكيّ.
__________________
(١) انظر : الشواذ ١٦ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٢٦ ، والدر المصون ١ / ٦٤٢.